-
/ عربي / USD
...أولى المشكلات التي حملتني الظروف على مواجهتها كانت مشكلة الطائفية. وقد تبين لي بالفعل، بعد فترة وجيزة من البحث، أنها من العمق والشمول بالنسبة إلى تاريخنا الحاضر والماضي بحيث يصح الدخول منها إلى دراسة المرحلة التاريخية الحضارية التي تنتظر أن ننتج لها فلسفة تاريخية أصيلة. ومقالات هذا الكتاب ليست سوى محاولة للتدليل على ذلك. فهي تعالج مشكلة الطائفية من وجوه عدة متكاملة يغلب عليها طابع التحليل المجتمعي. ومع أنها غير مكتوبة على سياق مذهبي موحد فهي تدور حول محور واحد وتخضع لغاية واحدة، اعني التعمق في تفهم الوضعية التاريخية التي توجه سيرنا في عالم الحضارة.
...هذا هو المحور الذي تدور حوله مقالات الكتاب. فالمقالة الأولى تشير إلى الإطار الثقافي التاريخي الذي لا بد من الانطلاق منه لكي نفهم الأصول القريبة لوضعنا الحاضر. لسنا أول من ينقد الطائفية. وإذا كان النظام الطائفي الراهن يعمل كل ما في وسعه لتبديد فعالية الفكر المناهض للطائفية، الفكر الذي تكون قبل نشوء ما يسمى بالميثاق الوطني وذلك الذي يتحرك ضمن الوضع الحاضر، فإن مسؤولية المفكرين. الذين يعرفون معنى الحرية الفكرية ويرغبون في أن تحميها الدولة بالفعل لا بالكلام، لا يسعها التنكر لفضل الذين جاهدوا في سبيل إزالة أسباب الانقسام الطائفي والرياء الطائفي، وسعوا من أجل تحرير الإنسان فينا من حالة الاغتراب التاريخي والضياع الذاتي. إن الأمانة لهؤلاء المجاهدين تفرض علينا أن نكمل رسالتهم، فلا نكتفي بالدفاع عن آرائهم ونشرها.
في هذه الوجهة، كتبت المقالات الخمس الأخرى. فالثانية تهدف إلى تبيان الخطأ والخطر في الدفاع عن الميثاق الوطني بصورة وأسلوب يتنافيان مع البحث العقلي عن حقيقة الحركة التاريخية. والثالثة وضعت لتعيين النظرة التي ينبغي أن تقود جهودنا ومحاولاتنا لتفهم المشكلات الاجتماعية وتعليلها، وبخاصة مشكلة الطائفية. أما المقالات الأخرى الثلاث، فإنها تنطوي على المبادئ والأفكار الرئيسية اللازمة لتفسير الطائفية كظاهرة اجتماعية كلية وللبحث في إمكانية زوالها وكيفيته.
قيّم هذا الكتاب
هل استخدمت هذا المنتج من قبل؟
لا توجد أي مراجعات بعد