لم يعد خافياً أن الحركات الإسلامية المعاصرة حركات سياسية بكل معنى الكلمة، تطلب السلطة وتسعى إليها بكل قواها، مستندة في ذلك إلى خطاب سياسي/ديني قوامه توليفة متكاملة من الطروحات والمفاهيم والمصطلحات المتشعبة والمستولدة من بعضها والمطعمة بدلالات ومضامين جديدة تسهل على تلك...
لم يعد خافياً أن الحركات الإسلامية المعاصرة حركات سياسية بكل معنى الكلمة، تطلب السلطة وتسعى إليها بكل قواها، مستندة في ذلك إلى خطاب سياسي/ديني قوامه توليفة متكاملة من الطروحات والمفاهيم والمصطلحات المتشعبة والمستولدة من بعضها والمطعمة بدلالات ومضامين جديدة تسهل على تلك الحركات عملية التسويق السياسي لأفكارها والشحن التعبوي لأفرادها. ولعل في مقدمة المفاهيم والمصطلحات الرائحة على نطاق واسع والموظفة بفعالية في عمليتي التعبئة والتثقيف: مصطلح حاكمية الله عند الإسلام الحزبي السني، ومصطلح ولاية الفقيه عند الإسلام الحزبي الشيعي... وقد باتا الآن من المفاهيم الارتكازية لتلك الحركات التي حولتهما عبر كتابات رموزها و"اجتهادات" أقطابها إلى مفاهيم مفتاحية لكامل منظومتها الفكرية ولغتها السياسية وخطابها العام. وبقدر ما نخضع تلك المفاهيم -المفاتيح للمناقشة والتحليل بنبش جذورها الأصلية ورصد سيرورة تطورها- وهو ما يدعو إليه علم اجتماع المعرفة بقدر ما تظهر العناصر الدخيلة المدمجة فيها بالتمويه والمشابهة والتحوير والتضليل أحياناً وبقدر ما تنكشف أبعاد الخطاب الحقيقية وخلفياته واستهدافاته الآنية والمستقبلية. وهذا بالضبط ما سعى إليه المؤلف في هذا الكتاب من خلال تحليله لمنظومة الأفكار والتصورات التي يقوم عليها خطاب الحركات الإسلامية المعاصرة، من غير أن يعزلها عن المناخ السياسي والفكري العام الذي أطلقت فيه، ومستعيداً لهذا الغرض السجالات والمناظرات والاحتدمات الاجتهادية والخلافية، حتى ضمن الفرقة الواحدة والحركة ذاتها، التي واكبت مسيرتها حتى مآلها الحاضر والصورة التي استقرت عليها الآن.