لن تحظى المأساة التي تمزّق المجتمع الجزائري منذ عام 1992، بحل سلميّ من دون قيام نقاش حقيقي بين كل الأطراف المعنيّة: الجيش والديمقراطيين والإسلاميين؛ ومن أولى شروط هذا النقاش: إقلاع هؤلاء عن الأساليب الدعائية أو الديماغوجية، والإلتزام بإعلان الحقائق كاملةً، وضرورة مراجعة...
لن تحظى المأساة التي تمزّق المجتمع الجزائري منذ عام 1992، بحل سلميّ من دون قيام نقاش حقيقي بين كل الأطراف المعنيّة: الجيش والديمقراطيين والإسلاميين؛ ومن أولى شروط هذا النقاش: إقلاع هؤلاء عن الأساليب الدعائية أو الديماغوجية، والإلتزام بإعلان الحقائق كاملةً، وضرورة مراجعة تاريخ الجزائر بعد الإستقلال، تاريخها المغيَّب والمؤسطر من أكثر من جهة، إلى حد التغذية المباشرة للعنف الحالي.
من هنا، تأتي الأهمية الكبرى لهذا الكتاب، حيث يعاود مسؤول جزائري سابق، رسم تاريخ ثلاثة عقود من خلال شهادته للحقيقة، فمنذ عام 1965، كان غازي حيدوسي موظفاً كبيراً في إدارة التخطيط، ثم عمل على رأس مكتب إستشاري في الهندسة الصناعية لحين إستدعائه كمستشار إقتصادي في رئاسة الجمهورية عام 1985، ومن ثم شغل منصب وزير الإقتصاد في الجزائر بين 1989 و 1990 حيث أطلق سياسة الإصلاحات الإقتصادية والنقدية، وكان أحد محفزي الإتجاه السياسي الليبرالي آنذاك، قبل أن يُعاني النفي الإجباري إلى فرنسا، وهذه المسيرة الطويلة أتاحت له التعرّف عن كثب إلى كيفية إدارة المؤسسات وكيفية صنع القرارات السياسية، ولا سيما كواليس الفساد والمحسوبية التي كانت تقف وراء تلك القرارات.
وهكذا، من عهد بومدين ومذهبه في التنمية المطلقة، إلى الإنفجار الشعبي في أوكتوبر 1988، إلى سنوات حكومة مولود حمروش الموسومة بسمة الإصلاحات الإقتصادية الجذرية... جاءت شهادة حيدوسي بمثابة شهادة إنسان ملتزم، لم ينقطع عن العمل من داخل النظام - وسراً في بعض الأحيان - لتطوير المقاومة بمثابة شهادة إنسان ملتزم، لم ينقطع عن العمل من داخل النظام - وسراً في بعض الأحيان - لتطوير المقاومة وجرّه إلى محاكمة نفسه.
إنه كتاب خطير، وضع بمنتهى الصدق والجدّية، وهو يتضمن الكثير من الإيحاءات والتحليلات غير المسبوقة لمن يرغبون في فهم أفضل لجذور المأساة الجزائرية.