كيف تحول ملك تاريخي، مثل سيف بن ذي يزن (نحو 570م) من ملك على بني ِحمير في جنوبي الجزيرة العربية، إلى "بطل سحري" من أبطال الأساطير الشعبية المدوّنة في سيرة سيف بن ذي يزن، كما وصلت للقارئ في بيروت عبر طبعة "شعبية جداً" غير مؤرخة ولا محققة! وكان سيف بن ذي يزن ملكاً بسيفه وما له على بعض...
كيف تحول ملك تاريخي، مثل سيف بن ذي يزن (نحو 570م) من ملك على بني ِحمير في جنوبي الجزيرة العربية، إلى "بطل سحري" من أبطال الأساطير الشعبية المدوّنة في سيرة سيف بن ذي يزن، كما وصلت للقارئ في بيروت عبر طبعة "شعبية جداً" غير مؤرخة ولا محققة! وكان سيف بن ذي يزن ملكاً بسيفه وما له على بعض الأقوام العربية في اليمن، وكان من سلالاته من هاجر شمالاً إلى فلسطين وجبل عامل (جنوب لبنان) حالياً. وكان من ذريته من تأسطر، وانسحر بسيرة (جده الأسطوري)، الأصلي، فأنشأ لنفسه هذه الرواية السحرية، الموضوعة لإرضاء النفس أمام الشعب ولسحر الخصم وتخويفه و"إرهابه"، بهذا السيف المقترن بجسد حديدي "يزن" ولا "يلين"، فهو ابن القوة، المزن، السحاب الثقيل، وهو بذاته قوة مسلطة على الجان والأنس ولكن هذه الحكاية السحرية المدهشة، المجهولة المؤلف، والمتداولة مع ذلك، لم تخط بما تستحق من تدوين وتنقيح وتوثيق، وبين شخص تاريخي وشخص سحري، ينفتح المسرح الثقافي الشعبي العربي على مساحات جديدة من الأبطال الإشكاليين الذين انسحروا بذواتهم، فجاءت روايتهم، على مرآتهم الخفية، ساحرة لمن يسمعها أو يقرأها، هذا إذ لم تحظ بكتابة تمثيلية لمسرح أو تلفزة أو سينما. وقد لا يصل الاهتمام بحكاية سيف إلى المدى الذي بلغته "ألف ليلة وليلة" و"فيروز شاه" و"عنترة بن شداد" و"الزير سالم" ولكنها جزء من هذه السلسلة المتواصلة في الثقافة الشعبية العربية. وفي هذا الكتاب نقد العقل السحري يحاول المؤلف التقديم والتعريف بمساحة الحضور الشعبي في الثقافة العربية المعاصرة، تمهيداً لتحليل مضمون حكاية جدنا سيف بن ذي يزن، وكل بطل أسطوري شعبي هو جدنا الثقافي العربي... ويختتم المؤلف الكتاب بمقال ثالث أخير، حول "ليلى والذئب" هذه الحكاية التي تعيد القارئ إلى البحث عن الذئب الشعري والاستهلاكي الذي انتاب البحتري في العصر العباسي، وانتاب قبله بكثير، الملك سيف بن ذي يزن، الذي عاصر بني العرب والإسلام. فهل يوصل الكتاب إلى معرفة جديدة على صعيد الثقافة الشعبية العربية المعاصرة؟ هذا ما يأمله المؤلف من منهجه النقدي العلمي الذي تتوضح معالمه في هذه القراءة.