هل يمرّ تحرّرُ المسلمين وتقدّمهم، حتماً، عبر تحصين المجتمع بسياج الحرام والحلال أم عبر نقله إلى دائرة الممنوع والمسموح به؟ ذاك هو الرهان الذي يدور عليه الصراع الفكري والسياسي في البلدان الإسلامي اليوم، وفي إطاره يتنازع الإتجاهان الديني والعلماني المجال التشريعي.وتتركُّز...
هل يمرّ تحرّرُ المسلمين وتقدّمهم، حتماً، عبر تحصين المجتمع بسياج الحرام والحلال أم عبر نقله إلى دائرة الممنوع والمسموح به؟ ذاك هو الرهان الذي يدور عليه الصراع الفكري والسياسي في البلدان الإسلامي اليوم، وفي إطاره يتنازع الإتجاهان الديني والعلماني المجال التشريعي. وتتركُّز بؤرة التوتر بينهما في ثنائية "الشرع والوضع" أو "الإلهي والبشري"؛ غير أن ما شهده عصرنا من تفويض لليقين وخلخلة للإطمئنان الساذج وإختراق لــ"المناطق المحرّمة"، جعل المسلم في مواجهة دائمة مع المسلّمات التي تؤسّس ثقافته وتؤطّر نظرته إلى العالم.
وإذا أمكن أن نتبَّين، من إحتفاء فقهائنا المعاصرين بمقولة "المقاصد" ودعوتهم إلى إقامة صرح "التفكير المقاصدي"، إقرارهم بأن أطُر الفقه الإسلامي الكلاسيكي لم تعدْ قادرة على إستيعاب الواقع الحضاري الجديد بتعقيداته المتزايدة، ولا على تلبية حاجة المسلم إلى إستعادة توازنه المفقود، وإعتقادهم أن توجّههم "الجديد" سيجعلهم أقدر على تحدّي المعضلات التشريعية، النظرية والتطبيقية، التي يواجهها الضمير الإسلامي المعاصر، فإنّ غاية هذا الكتاب الأساسيّة هي محاولة الكشف عن الحدود الفاصلة بين الحقيقة والوهم في ما يبشّر به هذا التوجّه من خلال نموذجين اثنين يمثّلانه أحسن تمثيل، هما: الطاهر بن عاشور وعلاّل الفاسي.
ولمّا كان قصورنا الذاتي راجعاً، في بعضه، إلى إستبداد عقدة الخوف بنا، الخوف من المجهول، خاصةً ممّا تعلّق منه بــ"المقدّسات"، فإنّ هذا الكتاب أريدُ منه أن يكون إسهاماً مهماً في حلّ هذه العقدة، وإذا كان صحيحاً أن لا شيء يخيف كالمجهول، فإنّ الأصحّ أن لا شيء يخيف كمجهولٍ تحسبه معلوماً وما هو بمعلوم.