إنطلاقاً ممّا تزخر به الخزانات العربية والمكتبات العالمية من تراث مخطوط يشمل الجوانب الحضارية للغرب الإسلامي، وفي ضوء الإنفجار المعرفي والثورة المعلوماتية التي تغزو الحقل الثقافي، والطفرات المنهجية التي يشهدها البحث التاريخي المعاصر، ومع تنامي الإهتمام بحقلي التاريخ...
إنطلاقاً ممّا تزخر به الخزانات العربية والمكتبات العالمية من تراث مخطوط يشمل الجوانب الحضارية للغرب الإسلامي، وفي ضوء الإنفجار المعرفي والثورة المعلوماتية التي تغزو الحقل الثقافي، والطفرات المنهجية التي يشهدها البحث التاريخي المعاصر، ومع تنامي الإهتمام بحقلي التاريخ الإقتصادي والإجتماعي وتاريخ العقليات والأفكار، أصبحت عملية الحفر في عمق ذلك التراث المخطوط تتصدّر سلّم الأولويات لدى الباحثين. وقد أتاحت المحاولات الرائدة التي قام بها الرعيل الأول من المحقّقين للتراث المغربي - الأندلسي كسر الطوق المكبِّل للكتابة التاريخية التقليدية وتوجيهها نحو مسارات جديدة، فراحت تقتحم مناطق بحثية كانت تدخل من قبل في عداد البقع المُهمَّشة والمنسية، ومسؤولية المؤرِّخ الناجح إنما تكمن في الجمع بين قدرته على الكشف عمّا يختزنه التراث المخطوط من تراكمات نصّية ووثائقية ثمينة، ومسايرة المنحنى التصاعدي الذي يشهده البحث في تاريخ الإقتصاد والمجتمع والعقل والذاكرة.
ويكفي التذكير ههنا بما أسدته المادة النصيّة المستقاة من المخطوطات الفقهية والنوازلية والمناقبية وغيرها من خدمات جلى جعلت الأبحاث التاريخية المغربية المعاصرة تتحرّر من قشور التاريخ لتنفذ إلى عمقه ولبابه.
يروم هذا الكتاب تقديم عدد من الأوراق والأبحاث التي تعكس هذا الطرح وتزكيه، وهي موزّعة على ثلاثة أقسام: الأول يهتم بدراسة مخطوطات كانت مجهولة، وساهمنا في الكشف عن بعضها "كنوازل ابن الحاج" ومخطوطة "أخبار الفقهاء والمحدّثين" للخشني، ونشرنا بعضها الآخر نشرة تعريفية لأول مرة في دوريات علمية متخصصة وبيّنا ما تختزنه من ثروة نصّية ووثائقية بالغة الأهمية.
أما القسم الثاني فيُعالج قضايا إقتصادية متنوعة تعتقد أنها لا تزال تشكّل فجوات في البحث التاريخي المعاصر، مثل العلاقات الإنتاجية بين المزارعين وأرباب الأراضي والإنتاج الصناعي والأسواق في المغرب والأندلس في القرن السادس الهجري.
في حين خصصنا القسم الثالث لبعض القضايا الإجتماعية التي لم يُحسم النقاش حولها بعد، كموقف العلماء من التحدّيات الصليبية في الأندلسن والواقع الذي كان لكتاب "إحياء علوم الدين" للغزالي على مجتمع الغرب الإسلامي، والأزمة الأخلاقية وأثرها في سقوط الأندلس...