فكرة الأمة من أعظم الأفكار الاجتماعية، ومن أكثرها تعقيداً وغموضاً وسحراً. ولا تزال المجتمعات المعاصرة تعيش في إطار فاعليتها، المتعددة الوجوه، المتشعبة الاتجاهات. حتى المجتمعات التي أصبحت فيها العقيدة الشيوعية عقيدة الدولة، اضطرت إلى التكيف معها وإعطائها حقها من التقدير...

فكرة الأمة من أعظم الأفكار الاجتماعية، ومن أكثرها تعقيداً وغموضاً وسحراً. ولا تزال المجتمعات المعاصرة تعيش في إطار فاعليتها، المتعددة الوجوه، المتشعبة الاتجاهات. حتى المجتمعات التي أصبحت فيها العقيدة الشيوعية عقيدة الدولة، اضطرت إلى التكيف معها وإعطائها حقها من التقدير والاعتبار. ولكن فكرة الأمة شيء، وتحققها في الواقع الاجتماعي التاريخي شيء آخر. ولذا ستظل الجدلية بين فكرة الأمة وأشكال تحققها قائمة حتى تنتهي فكرة الأمة من إظهار مكنوناتها وتتلاشى فاعليتها في التاريخ الاجتماعي للنوع البشري. هذا يعني أن فكرة الأمة فكرة تاريخية، أي فكرة تكونت في التاريخ البشري ورسمت فيه خطوط تاريخها الخاص. وتاريخ فكرة الأمة لا يتطابق دوماً مع تاريخ الأشكال الاجتماعية الواقعية التي عرفتها بصورة ما.
إلا أن دراسة تحولات فكرة الأمة لا يتطابق دوماً مع تاريخ الأشكال الاجتماعية الواقعية، وتضيء جوانب مظلمة أو مطمورة في طبقات الذاكرة الجماعية عند الشعوب التي تأثر تاريخها، بكيفية ما، بفكرة الأمة، وعلى الأخص الشعوب التي لا يزال للعقيدة القومية فيها دور أساسي في هذا الإطار تأتي المساهمة التي تنطوي عليها فصول هذا الكتاب، تناول الباحث في الفصل الأول مفهوم الأمة في القرآن، إذ أنه النص الأساسي الذي ينبغي اعتباره في دراسة كل المشكلات الفكرية في القرون الوسطى العربية الإسلامية. وفي الفصل الثاني تم الحديث عن مفهوم الأمة في كتابات الفارابي، وهو أكثر الفلاسفة الميتافيزيقيون في الإسلام اهتماماً بالفكر الاجتماعي والسياسي. وفي الثالث، عرض الباحث مفهوم الأمة عنه المسعودي، وهو معاصر للفارابي، ويعتبر مؤسساً لطريقة جديدة في كتابة التاريخ العالمي، منتقلاً في الفصول الرابع لشرح كيفية تصور البغدادي والماوردي لوحدة الأمة من خلال كتابات الأول العقائدية وكتابات الثاني السياسية، معالجاً من ثم في الفصل الخامس تصور الملة والأمة عند الشهرستاني، وهو مفكر ديني ومن مؤسسي علم التاريخ العام للمذاهب الفكرية، ليبرز في الفصل السادس كيفية تصور ابن خلدون لفكرة الأمة في نظرياته الاجتماعية التاريخية بصرة عامة مخصصاً الفصل السابع والأخير للإشارة إلى استمرار التصور الخلدوني للأمة والملة في كتابة ابن الأزرق السياسية لتحضر أخيراً في هذه الاستقصاءات المعطيات الرئيسية لتصور الأمة في القرون الوسطى العربية والإسلامية.