المسألة الزراعية هي قبل كل شيء مسألة الفلاحين. ومعرفة هذه الأخيرة تتوقف إلى حد بعيد على تحديد نوع العلاقة القائمة بين الفلاح وأشكال ملكية الأرض السائدة، وطرق استغلالها، ولى أين يذهب فائض الإنتاج، أي وبكلمة واحدة: طبيعة ومدى استغلال الإقطاعي للفلاح.هذه الدراسة معنيّة...
المسألة الزراعية هي قبل كل شيء مسألة الفلاحين. ومعرفة هذه الأخيرة تتوقف إلى حد بعيد على تحديد نوع العلاقة القائمة بين الفلاح وأشكال ملكية الأرض السائدة، وطرق استغلالها، ولى أين يذهب فائض الإنتاج، أي وبكلمة واحدة: طبيعة ومدى استغلال الإقطاعي للفلاح. هذه الدراسة معنيّة أساساً بعملية تكوّن طبقة إقطاعية سورية بدأت في الربع الأخير من القرن التاسع عشر، واكتملت معالمها في الربع الأول من القرن العشرين، وما ترتب على ذلك من نسيج اجتماعي ساد الأرياف عبر الفترة الزمنية التي تغطيها هذه الدراسة، أي حتى بداية الستينات من القرن العشرين.
ولما كانت المصادر والمراجع التاريخية المكتوبة غير كافية بحد ذاتها للإحاطة تماماً وبالعمق والشمول المطلوبين بطبيعة العلاقات بين الفلاحين وملاك الأرض، فقد لجأ صاحب الدراسة إلى صنو التاريخ المكتوب والمكتوب والمكمل له، أقصد التاريخ الشفهي المتحصل من رحلات تقصي في عين المكان، واستنطاق ذاكرة أجيال عدة من الفلاحين والملاك عبر زيارة ميدانية للقرى والدساكر التي شهدت نضالاً فلاحياً، أو عاشت أحداثاً هامة، أو تميزت بغنى تاريخها الفلاحي، متوخياً في كل ذلك الدقة والموضوعية في وصف الوقائع وتصنيفها، إنما بعيداً عن مقولة "حياد المؤرخ" المضللة... فكانت هذه الرواية المعبّرة التي تحكي قصة البؤس والجهد والعمل والنضال، وكان هذا التاريخ للأرياف الذي كنا نبحث عنه.