سيكون "أبو غريب" الرمز العميق للحضارة التي يتغنى بها "صموئيل هنتنغتون" في كتابه "صدام الحضارات" وفوكوياما في "نهاية التاريخ" نعم إنها نهاية تاريخ تلك الحضارة الآثمة، المعتدية التي تحرم الشعوب من حق تقرير مصيرها، وتريد في العالم أن يكون جزءاً من شركاتها الجشعة التي تحاول سرقة العام باسم الحرية والديموقراطية "أبو غريب" وحده يتكلم. ففي أواخر شهر نيسان الحالي تحل الذكرى السنوية الأولى لفضيحة تعذيب المعتقلين العراقيين في سجن "أبو غريب" القريب من العاصمة العراقية بغداد، والتي فجرتها شبكة التلفزيون CBS الأميركية في الثاني والعشرين من نيسان 2004 بعد أن نشرت صوراً تكشف عما يتعرض له المعتقلون العراقيون من تعذيب على أيدي القوات الأميركية بسجن "أبو غريب".
هذا وإن أحد أخطر أبعاد فضيحة "أبو غريب" هو أنها لم تتوقف منذ تفجرها حتى الآن، فكل أسبوع تقريباً تصدر تقارير رسمية أو صحفية تكشف عن أبعاد جديدة خطيرة لفضائح التعذيب بالمعتقلات الأميركية لم يكونوا على أي صلة بأية عمليات أو جماعات سياسية أو مسلحة، فقد أشارت تقارير وكالات مدنية كالصليب الأحمر وهيئات تحقيق أمريكية رسمية أن 70-90% من المعتقلين بالسجون الأميركية بالعراق هم من الأبرياء كما قدر تقرير لجنة مستقلة، شكّلها البنتاغون في أيار 2004 برئاسة وزير الدفاع الأمريكي السابق جيمس ستليزيسنجر للتحقيق في أوضاع المعتقلات الأمريكية، عدد من المعتقلين بالسجون الأمريكية في العراق وأفغانستان بحوالي خمسين ألف معتقل، والغريب أن التقرير توصل إلى أن كثيراً من المعتقلين تعرضوا للتعذيب والإهانة بدون واع وليس لأهداف تتعلق بالتحقيق معهم، مما يشير إلى انتشار التعذيب بسبب وبدون سبب. هذا وإن أساليب التعذيب والانتهاكات التي تعرض لها المعتقلون على أيدي القوات الأمريكية فاقت كل تصور من حيث انحرافها النفسي والأخلاقي.

وفي هذا الكتاب يتناول المؤلف أبعاد تلك الفضيحة التي هزت أمريكا والعالم وذلك من خلال أبعاد ثلاث رئيسية: أولاً: ما صدر خلال العام الماضي من وثائق رسمية ومعلومات صحفية عن فضائح التعذيب بالمعتقلات الأمريكية والذي كشف أن الفضيحة هي أكبر بكثير مما كان متوقعاً بسبب انتشار التعذيب في المعتقلات الأميركية عبر العالم والتنوع الخطير للانتهاكات التي تعرض لها المعتقلون. ثانياً: نتائج التحقيقات كشفت عن ارتكاب القيادة الأمريكية، على أعلى المستويات، أخطاء عديدة ومتكررة أوجدت بيئة سمحت بوقوع التعذيب وانتشاره. ثالثاً: على الرغم من مرور عام على تفجر الفضيحة إلا أنه لم يتم حتى الآن الكشف عن كافة أبعادها أو محاسبة كبار المسؤولين عنها. وإلى جانب ذلك فإن الكتاب تضمن ما يلي: المقدم، التعريف بسجن "أبو غريب"، الملف الأمريكي في تعذيب الأسرى بكل تفاصيله، الملف البريطاني في تعذيب الأسرى، قصص ومآسي المعتقلات العراقية، شيء من غوانتانامو، تقرير الصليب الأحمر الدولي، ومنظمات حقوق الإنسان، ردود الفعل الإعلامية عربياً وعالمياً.