في القرن الثامن عشر، أو ما يعرف بعصر التنوير، ظهرت أفكار جديدة، جريئة، أفكار جذرية إن لم نقل ثورية، حول الكون والإنسان والإله والمجتمع والدولة، وراحت تتجذر أعمق فأعمق في تربة الفكر الاجتماعي في أوروبا عامة، وفي فرنسا على وجه الخصوص، بالغة ذرى لم يسبق لها مثيل. وقد اتسم...
في القرن الثامن عشر، أو ما يعرف بعصر التنوير، ظهرت أفكار جديدة، جريئة، أفكار جذرية إن لم نقل ثورية، حول الكون والإنسان والإله والمجتمع والدولة، وراحت تتجذر أعمق فأعمق في تربة الفكر الاجتماعي في أوروبا عامة، وفي فرنسا على وجه الخصوص، بالغة ذرى لم يسبق لها مثيل. وقد اتسم منتصف ذلك القرن تحديداً بفوران فكري دافق اتخذ شكل نظريات فلسفية واقتصادية وسياسية واجتماعية تهدف إلى إخضاع الحاضر لنقد مطلق، وإلى رسم دروب التطور والتقدم في المستقبل... فيما يشبه الممهدات الإيديولوجية لانفجار الحدث العظيم: الثورة الفرنسية.
وقد أنجز أصحاب الفكر السياسي والاجتماعي في فرنسا القرن الثامن عشر عملاً ضخماً ومثمراً بكل معنى الكلمة: فجاء فولتير ومونتسكيو ليضعا الشروط المسبقة والتقاليد الضرورية لتأسيس الإيديولوجيا البورجوازية، ومثل تورغو والفيزيوقراطيون الجانب الاقتصادي من ذلك الفكر، وبرز ديدرو والموسوعيون ثم دولباخ وهلفسيوس على الصعيد العلمي والفلسفي، وتصدر روسو ولنغيه، بريسو ومارا، جبهة الدعوة إلى المساواة والديمقراطية، وتبلورت النظريات الاشتراكية والمشاريع التعاونية، من واقعية وطوباوية، على يد مسلييه ومورلين مابلي ودون ديشان... إلى ما هنالك من أسماء لا مجال لتعدادها كلها هنا.
في هذا الكتاب الضخم، يستكمل ف.فولغين، الباحث الثقة على مدى خمسين عاماً أو يزيد في تاريخ الفكر الاجتماعي والسياسي في فرنسا عشية الثورة، دراسات وأطروحات سابقة له تتصف بكل خصائص الإضافات المعرفية والمرجعيات الأكاديمية، حيث يستعرض باستفاضة وإلماعية الفتوحات التاريخية الكبرى لعصر التنوير، وسعة فلاسفة الأنوار الحثيث إلى تحرير الإنسان من التقاليد الإقطاعية، والملكية المستبدة، والملكية الخاصة، واللامعقولات الدينية والتجاوزات الكنسية... الخ، تحت لافتات عريضة قوامها المذاهب الإنساني، حقوق الطبيعة البشرية وحرية العقل أولاً وأخيراً.