إن الوقائع تؤكد أن التغاضي عن المسألة الدينية في المجتمعات العربية موقف لم يعد مقبولاً. فالإصلاح الديني مشروع مؤكد الأهمية وليس مجرد مكمل للمهام الإدارية للدولة أو ترفاً فكرياً للمثقفين، ولا يجدي أن تلوكه الألسن فترة ثم تتحول عنه إلى موضوع آخر. ينبغي أن يكون على قائمة...
إن الوقائع تؤكد أن التغاضي عن المسألة الدينية في المجتمعات العربية موقف لم يعد مقبولاً. فالإصلاح الديني مشروع مؤكد الأهمية وليس مجرد مكمل للمهام الإدارية للدولة أو ترفاً فكرياً للمثقفين، ولا يجدي أن تلوكه الألسن فترة ثم تتحول عنه إلى موضوع آخر. ينبغي أن يكون على قائمة الاهتمامات إذا ما اتجه الوجهة الجديدة التي تستدعيها الخيبات المتعاقبة التي شهدتها المجتمعات العربية إلى حد الآن. فلن يتحقق التحديث إذا ما ظل الدين أداة توظفها القوى السياسية، داخلية كانت أم خارجية. مع ذلك، لا بد من الإقرار بأن الإصلاح الديني الحقيقي في الإسلام لا يتمثل في مراجعة بعض المواقف والأحكام، بل التفكير بعمق في وظائف الدين في العصر الحديث، لقد تغيرت وظائف الدولة والآلة والمختبر والمدرسة في هذا العصر، ومن الطبيعي جداً أن تتغير وظائف الدين وعلاقاته ببقية المؤسسات الاجتماعية. فبدل أن ينظر إلى الإصلاح الديني الإسلامي في علاقة بتجارب ماض مختلف، يجدر أن ينظر إلى الإصلاح الديني الإسلامي في علاقة بتجارب ماض مختلف، يجدر أن ينظر إليه في علاقة بالعالم الحديث ومثله. ولا ينفع أن يقال إن العالم الحديث متناقض مع مثله، فالمثل الدينية لا تقل تناقضاً مع تاريخ المجتمعات التي تنبتها، والأديان الإيمانية هي غير الأديان التاريخية. فالواقع يخون المثل دائماً، لكن المثل تظل دافع الإنسانية الخيرة في نضالها المستمر ضد الأنانية والظلم والتسلط. والإصلاح الديني الحقيقي ليس الذي يواجه المثل الحديثة بالمثل الدينية بل هو الذي يعيد صياغة المثل الدينية لتشارك ملايين البشر من كل التقاليد الدينية في ذلك الطموح.
أما إذا ما ظل الكثيرون يتحدثون عن الإصلاح الديني وهم يعملون على الدعوة الصريحة أو المتخفية إلى السيطرة وإقامة الدولة الدينية على نمط العصر الوسيط، فلن يكون سعيهم سبيلاً لاستعادة القوة والمنعة بل طريقاً للطائفية ولمزيد من إضعاف المجتمعات وتمزيق وحدتها لتسهل سيطرة الأجنبي عليها.