الهدف الاستراتيجي من التربية على المواطنية هو تأمين الشروط الكافية لتكوين مواطن مسؤول، ذاتي التصرف والسلوك، ومتمكن من المشاركة في الحياة الاجتماعية والمهنية داخل الجماعة، ومن ممارسة التفكير النقدي المستقل فيها. صحيح أن التربية على المواطنية ترتدي في جانب من جوانبها صفة...
الهدف الاستراتيجي من التربية على المواطنية هو تأمين الشروط الكافية لتكوين مواطن مسؤول، ذاتي التصرف والسلوك، ومتمكن من المشاركة في الحياة الاجتماعية والمهنية داخل الجماعة، ومن ممارسة التفكير النقدي المستقل فيها. صحيح أن التربية على المواطنية ترتدي في جانب من جوانبها صفة المشروع التعليمي، ولكنها في الواقع ليست مجموعة معارف مقصودة لذاتها بحيث يستخدمها المتعلم في حيز خاص بها ومستقل. إنها معارف تسري في عروق شخصية الفرد وكيانه، ومن شأنها إبراز البعد الاجتماعي والسياسي والأخلاقي الكامن في العلوم التي يتلقاها في المدرسة والجامعة، وتبين مغزاها العام بغاية التعاطي معها من زاوية أبعادها المتعددة وحسن توظيفها في حياة الجماعة. وهذا ما يستوجب أن يتكون لدى المتعلم –خلال مراحل التعليم- رأي شخصي ومتعقل، والمقدرة على التعبير عن هذا الرأي، والاستعداد الكافي للقبول بالرأي المختلف وبالنقاش العام. إن التجديد الذي حققه الفكر الغربي الحديث في مفهوم المواطن جاء ثمرة لجهود فلسفية سياسية متعددة الاتجاهات والمرامي دامت ما يزيد على القرنين من الزمن، وقد واكبتها أحداث اجتماعية وسياسية جسيمة كان من شأنها إحداث تغييرات جذرية في بنية المجتمع، ومفهوم الدولة، ومرتكزات النظام السياسي. ولا يزال مفهوم المواطن حتى اليوم، في الغرب، موضوعاً للبحث النظري والتطبيق العملي بما يحقق أفضل الصيغ للحياة المدنية العامة. أما في العالم العربي فإن هذا المفهوم لم يحظ بالجهود النظرية والعملية الكافية لتأسيس مجتمع جديد تستوي فيه العلاقات المدنية والسياسية بين أفراده والسلطة الحاكمة، بحيث يتيح للإنسان العربي أن يصبح مواطناً مشاركاً في الحياة العامة: يمارس حقوقه فيها كمصدر للسلطة، ويقوم بواجباته تجاهها في إطار مؤسسة الدولة.
إن صورة الدولة الحديثة المرتسمة بها الدول الوطنية العربية اليوم لا تكفي لنشوء مفهوم المواطن، وإن قيام المؤسسات المرتدية صفة الحداثة بالحدود الحالية القائمة لا يكفي لترسيخ هذا المفهوم بين الأفراد، لأن التربية على المواطنية لا تزال مقصرة في أداء دورها التأسيسي في هذا المجال لعدم توفر الشروط اللازمة لذلك.
فما هي التربية على المواطنية؟ كيف تقوم بدورها في تكوين الإنسان المواطن؟ وما هي الشروط الواجب استتبابها لكي تحقق التربية على المواطنية أهدافها؟ إن الإجابة على هذه الأسئلة تستلزم التساؤل أولاً عما هي المواطنية، وما هي مبادئها وقيمها؟ بالإضافة إلى العديد من التساؤلات التفصيلية الأخرى التي تسعى هذه الدراسة إلى الإحاطة بها والإجابة عنها من أجل إبراز أهمية التربية على المواطنية وضرورتها في بناء الدولة العربية الحديثة، ومن أجل التعرف إلى المدى الذي توصلت إليه الدول العربية، راهناً، في مراعاتها لمبدأ المواطنية وأحكامه.