الصراع بين الخير والشر، والقدرة على مواجهة الحياة بالإيمان هو المجال الذي تدور حوله (تدابير القدر) للكاتب محمود شيت خطاب الذي يوجه من خلالها رسائل إلى الفرد والمجتمع، "فكل جريمة لا عقاب ومن ينجو من عقاب البشري لا ينجو من عقاب خالق البشر" فجاءت القصص محاولة لإحياء الضمائر الميتة لتستعيد الحياة من جديد.
في الخطاب الروائي، يصطنع المؤلف لإيصال رسائله خطاباً روائياً بسيطاً، فهو يستخدم راوياً واحداً، كليّ العلم، يروي بصيغة الغائب، ليسهل على المتلقي متابعة أحداث كل قصة كما في قصة، (الملاح القاتل) حيث ينفتح المشهد على رجل حُكِم عليه بالإعدام حتى الموت، فنفذ الحكم علناً في ساحة من أكبر ساحات بغداد، فمضى إلى ربه كما مضى غيره من الناس.

ولكن القصة لا تبدأ هكذا، كان يعمل جزاراً، وفي طريق عودته ليلاً من المجزرة إلى داره، سمع صرخة مستغيث، فهرول مسرعاً بإتجاه الصوت المستغيث وعثر على رجل قتيل يلفظ أنفاسه الأخيرة، فسقط فوقه وتلطخت يداه وثيابه بالدماء وسقطت سكينة من وسطه على صدر القتيل، فاتهم بالجريمة، ولم يسمع أحد لإنكاره بأنه ليس القاتل، في تلك اللحظة اعترف للقضاة الذين تولوا محاكمته: "إن أقوالي صادقة، وأقوال الشهود كاذبة، ولكنني أستحق الحكم عليّ بالإعدام، لأنني قتلت طفلاً رضيعاً وأمه قبل سنوات، ففتشوا عن القاتل الأصلي الذي ارتكب جريمة القتل وأفلت من العقاب..." وانتهى أمره وشنق، ولكن قضيته بقيت عبرة لمن يعتبر إنها تدابير القدر.

يضم الكتاب ثمان قصص قصيرة جاءت تحت العناوين الآتية: "الرؤيا الصادقة"، "تتمة الرؤيا الصادقة"، "أيتها الحمامتان... إشهدا... لقد شهدتا"، "قاتل أبيه"، "الملاح القاتل"، "وليمةٌ قندهارية"، "مجالس الذكر"، "في ضيافة النبي صلى الله عليه وسلم".

مجموعة من القصص الواقعية التي أراد الكاتب عرضها لمعالجة بعض العيوب الفردية والإجتماعية التي نعاني منها، فكلّ جريمة لها عقاب ومَن ينجو من عقاب البشر لا ينجو من عقاب خالق البشر.

وللمجتمع المثالي، يتكوّن من أفراد مثاليين، يخضعون لرقابة ضمائرهم لا لرقابة الشرطة والقانون، فقد أخفقت الرقابة الخارجية في أكثر الأحيان، بينما لا يخفق الضمير الحي في رقابته الصارمة العادلة.

وهذه القصص محاولة لإحياء الضمائر الميتة لتستعيد الحياة من جديد...