تضربُ العرب الأمثال لإيصال فكرة الموضوع الذي من أجله يُضرب المثل بالناس بأقرب طريق، وأقل وقت، وأوضح صورة، وأبلغ مقال، ومن ثم ترسيخ الفحوى، وفهم العبرة منه، واستيعابها واستقرارها في الذهن، وبقاؤها راسخة في الذاكرة مهما طال الزمن، أو تغير الحال.وجاءت الأمثال الصريحة في...
تضربُ العرب الأمثال لإيصال فكرة الموضوع الذي من أجله يُضرب المثل بالناس بأقرب طريق، وأقل وقت، وأوضح صورة، وأبلغ مقال، ومن ثم ترسيخ الفحوى، وفهم العبرة منه، واستيعابها واستقرارها في الذهن، وبقاؤها راسخة في الذاكرة مهما طال الزمن، أو تغير الحال. وجاءت الأمثال الصريحة في القرآن الكريم من أجل الهداية لمن لم يهتدِ من الناس، ولزيادة الإيمان لمن كان الله تعالى قد هداه. إلّا أنّ أمثال القرآن الكريم لم تقتصر على ماكان يفهمه ويتداوله العرب في ضرب الأمثال، بل كان ما عند العرب جزءاً من أمثال القرآن الكريم وليس كل شيء. من هنا يأتي هذا الكتاب الذي يبحث في دراسته الأمثال الصريحة في القرآن الكريم حصراً، وبيان ما ينبغي الوقوف عنده من المقاصد واللفتات والإشارات المهمة. ولأن أمثال القرآن الكريم صُنّفت على قياسية وغير قياسية، والقياسية منها صُنّفت على تمثيلية وتشبيهية. وكان الإمام السيوطي قد قسّمها إلى أمثلة صريحة ظاهرة وأخرى كامنة، ومنها الأمثال المرسلة، كما وأنّ منها مفردة وأخرى مركبة، فقد حصوت منهجية البحث هذه الدراسة في الأمثال الظاهرة الصريحة في القرآن الكريم، سواء كانت هذه الأمثال قباسية أم غير قياسية، مفردة أم مركبة، من أجل حصر موضوع البحث في حدود موضوعية معينة. وإلى هذا، فإن الأمثال مدار البحث في هذا الكتاب هي الأمثال التي جاءت في الآيات المشتملة على تشبيه حال شيء بحال شيء آخر؛ وفي الغالب ما يكون المثل لشيء حسّي (مادي) لإيضاح أمر معنوي، وأحياناً يضرب لمخلوق بمخلوق آخر، وقد يأتي حاملاً الوصف أو للتحدي. هذا و أنّ الأمثال الصريحة المقصودة هي التي تضمنت هذه المعاني بوجود كلمة المثل ومشتقاتها بالنص الصريح، كقوله تعالى: ((ضرب الله مثلاً...))، أو قوله تعالى: ((مثلهم كمثل)).. وكل لفظ من هذا القبيل. ويمكن القول بأنّ الأمثال الصريحة جاءت بكثرة في القرآن الكريم، وبأنواع متعددة، مثيرة مواضيع أساسية كليّة مختلفة، تقوم عليها أصول وأركان الدين الإسلامي. هذا ولِما كانت أمثال القرآن تُضرب لهدف عظيم وهو الإيمان بالله تعالى، فقد عَمِد المؤلف إلى شرح هذه الأمثال، والتي بلغت ست وأربعين مثلاً، وردت في أربع وعشرين سورة، متوقفاً في كل مثل عند كل معلومة صغيرة كانت أم كبيرة، لما يحمله هذا المثل من معاني واعجاز وبيان تضمنته الآية التي ورد فيها كل مثل. مستنبطاً ما تيّسر له ذلك. وتجدر الإشارة إلى أن مِمّن كتب في الأمثال في القرآن الكريم من أعلام الأمة العلامة ابن قيم الجوزية، وقد جاء كتابه عاماً ومقتضباً، إلّا أنه كان قيّماً في مادته وبيانه، رغم أنّ الإمام ابن قيّم الجوزية لم يدخل في تفاصيل الامثال التي أوردها، وإنما كانت له إشارة إلى مفداها والمراد منها. في حين أنّ هذا الكتاب امتاز بمجموعة من الأمور التي لم تتناولها الكتب التي تم تأليفها في هذا الباب، من ذلك: 1 – درس الأمثال الصريحة، حصراً، الواردة في القرآن الكريم 2 – تناول الأمثال حسب تسلسل السور في القرآن الكريم، وحسب تسلسل الأمثال في السورة الواحدة؛ وذلك عندما يرد في الآية أكثر من قبل، 3 – إغناء الأمثال القرآنية بمزيد من التفاصيل ، بإيراد معانيها، وأنواعها، والمعني مِمّن ضرب فيه هذا المثل، 4 – الربط وبإسلوب علمي بين المعاني والمواضيع المشتركة بين الأمثال الصريحة في السور الواحدة، من أجل الوصول إلى جوهر كل مثل من هذه الأمثال التي وردت في تلك السورة، 5 – الكشف في بعض الأمثال عما جاء فيها من إعجاز علمي تتواءم مع مستجدات هذا العصر. بلإضافة إلى ذلك، فقد اشتمل هذا الكتاب في هوامشه على بعض التراجم المختصرة لأئمة العلم في هذه الأمة، مِمّن كانت لهم مصنفات في علوم القرآن.