وتحت قدميه كانت الضربات العميقة، ضربات المعدل العنيدة تستمر. فالرفاق كانوا كلهم هنا، وكان هو يسمعهم يتابعونه مع كل خطوة. أليست السيدة ما هو تحت حقول الشمندر هذه، مكسورة الشوكة، ويترافق لهاثها المبحوح مع هدير المروحة الهوائية؟ على اليسار، على اليمين، وأبعد من هنا، ظن بأنه...
وتحت قدميه كانت الضربات العميقة، ضربات المعدل العنيدة تستمر. فالرفاق كانوا كلهم هنا، وكان هو يسمعهم يتابعونه مع كل خطوة. أليست السيدة ما هو تحت حقول الشمندر هذه، مكسورة الشوكة، ويترافق لهاثها المبحوح مع هدير المروحة الهوائية؟ على اليسار، على اليمين، وأبعد من هنا، ظن بأنه يتعرف على آخرين، تحت سنابل القمح، وتحت أسيجة الأغصان الشائكة والأشجار الغضة الآن تحت سنابل القمح، وتحت أسيجة الأغصان الشائكة والأشجار الغضة. الآن كانت شمس نيسان (أبريل) تسطع في مجدها، تجفف الأرض الولودة. ومن السفح المغذي تنبثق الحياة، كما تبزغ البراعم في الأوراق الخضراء، ويختلج الحقل مع نمو العشب. ومن كل صوب تنتفخ البذور، وتتمدد، وتشق السهل، بدافع الحاجة إلى الضوء والحرارة. وتسري النسغ مع أصوات الهمهمة وضجة البذور المنبسطة في قبلة حارّة، أيضاً، وأيضاً، وبشكل أكثر وضوحاً، كان الرفاق يدقون، كما لو كانوا يقتربون من سطح الأرض. على أشعة الكوكب الملتهبة، في صباح الشباب هذا، كانت الأرياف حبلى بهذه الجلبة. رجال يترعرعون، بجيش أسود، منتقم، من أجل موسم الحصاد في القرن المقبل، والتي عما قريب، سيؤدي إنماؤها إلى انبلاج الأرض".
يحكي "إميلا زولا" في قصته هذه، حكاية الظلم والقهر، حكاية العامل المضطهد وثورته ضد الظلم، ضمن إطار اجتماعي سياسي تاريخي لم يغفل عن العنصر العاطفي. بأسلوب مؤثر وبلغة سردية ممتعة. والقصة في هذه الطبعة موجهة إلى الطلاب، حيث تمّت ترجمتها عن نصها الأصلي بأسلوب مبسط وبلغة سهلة وبعبارات تتماشى وإمكانيات الطالب في المرحلة الإعدادية. ومما يزيد من فائدتها تلك الأسئلة المجتمعة عند نهاية كل جزء. هذا وقد روعي إيراد القصة بنصين عربي وفرنسي.
والكاتب "إميل زولا" (1840-1902) هو روائي فرنسي، بدأ الكتابة في الصحف، ثم أصبح رائد المذهب الطبيعي في الأدب. نادى بوجوب قيام القصة على التفكير العلمي والوصف الدقيق لما هو كائن في المجتمع. وكان متحمساً للإصلاح الاجتماعي. كتب سلسلة من عشرين رواية تحت العنوان الشامل: "آل روجون ماكار" تتضح من خلالها صورة أخّاذة ومتكاملة عن الحياة الفرنسية، وبخاصة في باريس، في أواخر القرن التاسع عشر. وهناك ثلاث روايات في هذه السلسلة لاقت شهرة عظيمة، وهي: "نانا" و"جرمينال" وهي القصة التي بين يدي القارئ، و"الوحش البشري". تولى الدفاع عن ضابط المدفعية الفرنسي ألفرد دريغوس، المتهم بالخيانة العظمى، بمجموعة من الرسائل المفتوحة نشرت في صحيفة "الفجر" الباريسية بعنوان "إني أتهم" حاربه أعداؤه المعارضون له في هذه القضية، ولما صدر ضده حكم بالسجن على مقال نشره عام 1898، فرّ إلى إنكلترا، ومكث فيها بضعة أشهر، مات بعدها مختنقاً.