إن الإمبراطورية العثمانية هي جزء من التاريخ ويجب على الباحث الحصيف العمل على قراءة حقيقتها بكل واقعية. وإذا كنا لا نستطيع إنكار حقيقة أن العثمانية كانت قد كونت آخر إمبراطورية إسلامية عالمية، غير أنه لا يستطيع أحد الإنكار أيضاً أن هذه الإمبراطورية الإسلامية قد أسقطها الغرب...
إن الإمبراطورية العثمانية هي جزء من التاريخ ويجب على الباحث الحصيف العمل على قراءة حقيقتها بكل واقعية. وإذا كنا لا نستطيع إنكار حقيقة أن العثمانية كانت قد كونت آخر إمبراطورية إسلامية عالمية، غير أنه لا يستطيع أحد الإنكار أيضاً أن هذه الإمبراطورية الإسلامية قد أسقطها الغرب لمصلحته وليس لمصلحة العرب وأحلامهم التاريخية في الاستقلال الوطني أو القومي. فقد مثلت الفترة العثمانية؛ ذلك الماضي القريب بالنسبة للمثقفين العرب، فترة ينظرون إليها بكل سخرية واحتقار في حين أنهم كانوا ينظرون إلى ماضيهم البعيد زمن الفتوح والتوسع، على أنه عصر المجد والإمبراطورية العربية العظمى.
وقد اعتبر هذا العصر المقياس الذي يصبو إليه المثقف العربي الحديث، على الرغم من أن بعض المثقفين العرب، ظلوا يفكرون بأنفسهم كأتراك يعيشون أحلام الماضي وأمجاد الخلافة العثمانية. إلا أنه كانت قد بدأت في أوساط القرن التاسع عشر، كتابة وقراءة النموذج العثماني الغني الذي سعى إليه الصدر الأعظم: المصلح مدحت باشا (1876-1877). كما سعى إليه أيضاً بعد حين اللبناني الموسوعي بطرس البستاني، وكما طوره في القرن العشرين السوري يوسف الحكيم، وعدد قليل من المثقفين العرب المعاصرين. واليوم باستطاعتنا أن نرى بوضوح عدداً من الباحثين العرب، بدأو ينظرون إلى التراث العربي الإسلامي العثماني على قاعدة أن أربعمائة عام من التاريخ الثقافي والسياسي والإداري والاجتماعي المشترك لا يمكن حذفه نهائياً أو إسقاطه من ذاكرة الجغرافيا الشرقية للمنطقة العربية. غير أن ذلك دونه صعوبات كثيرة من أجل الوصول إلى تسوية فاعلة أو مصالحة حقيقية مع هذا التراث المشترك والمشتبك.
فأمام الباحث والدارس العربي الحديث فرصاً كبيرة لدراسة التراث العثماني بشكل أكثر تقدماً من الدراسات السابقة والتي كانت تتأسس على فكرة الانحطاط المتنامي أو العقم المستفحل. أما السبيل إلى ذلك من قبل هذا الباحث المستقبلي التخصصي، فيبدأ بمنح دراسة التراث العثمانية أهمية بالغة، ثم يباشر بالعمل بالنظرة المقارنة ضمن الإطار العثماني حتى لو أدى ذلك للمواجهة أو للتناقض مع التوجهات العامة للتاريخ العثماني، عاملاً على دراسة التركة العثمانية، قائماً بأعمال البحث في الأرشيف العثماني ومفتشاً عن قواسم مشتركة عند شعوب تلك الدول التي أعقبت الإمبراطورية العثمانية.
ومن الممكن أن التفجع على الحالة العامة التي كانت تسود المجتمع اللبناني، كما عكسته كتابات العرب والمسلمين البارزين طيلة النصف الأول من القرن العشرين، إنما هو نتيجة نظامين للقيم: نظام الإصلاح ونظام التغيير، الأول: يستمد قوته من الداخل، والآخر يستند إلى دعم الخارج الأوروبي وتوجيهاته. وهذا ما جعل الباحثين القدماء يتألمون كثيراً للتغييرات الممزقة في حياتهم. وخير دليل على ذلك مشاهدات الجبرتي. ويمكن الاطلاع على مزيد من التفاصيل حول تلك الفترة من فترات التاريخ الإسلامي من خلال هذا الجزء من الموسوعة الذي يقدم دراسة تاريخية تحليلية حول الحضارة العربية في العصر المملوكي والعثماني، وقد عنيت هذه الدراسة تناولها للمواضيع التالية: المجتمعات العربية الإسلامية، تجليات الحرية، المدارس التربوية الإسلامية، مناهج تطور الفكر العربي بالترجمة والنقل، علم المكتبات، الحروب الصليبية، البحرية الإسلامية، المنشآت العربية الإسلامية، العمائر العسكرية العربية، فن التقاليد والرسوم المملوكية والعثمانية، تطور الزخارف الإسلامية في العصر المملوكي والعثماني، الحضارة العربية والفنون الاستشراقية، الرحالة العرب ورحلاتهم التاريخية.