الحجاز مهد الإسلام، والحجازيون مادته حيث خرج بهم كتلة واحدة متراصة رافعين لواءه في كافة أقطار الأرض، مجاهدين في سبيل الله جلّ جلاله، فخضعت لهم في أقل من نصف قرن من الزمن، معظم الأمم، في الشرق والغرب، فدالت دولهم بظهور دولته، وتفككت أواصرهم وعناصرهم، التماس أواصر عرب الحجاز...
الحجاز مهد الإسلام، والحجازيون مادته حيث خرج بهم كتلة واحدة متراصة رافعين لواءه في كافة أقطار الأرض، مجاهدين في سبيل الله جلّ جلاله، فخضعت لهم في أقل من نصف قرن من الزمن، معظم الأمم، في الشرق والغرب، فدالت دولهم بظهور دولته، وتفككت أواصرهم وعناصرهم، التماس أواصر عرب الحجاز الفاتحين، وتآزر عناصرهم، واتحادهم في بوتقة الإسلام، الدين الجديد، الذي جعل في ضعفهم قوة وفي وجه من نابذهم عن دينهم، وسلطانهم.
إن فتوحات العرب وتأسيس إمبراطورية الإسلام من القرن السابع إلى الخامس عشر لتعد إحدى عجائب التاريخ، ومن المدهش أن يصبح العرب، وكانوا أول أمرهم على الفطرة، عنصراً فاتحاً صاروا به سادة نصف العالم في مائة عام. ومن أشد العجب حماستهم العظيمة وسرعتهم البالغة في تحصيل العلوم وتكوين الثقافة اللازمة لعظمتهم، حتى وصلوا إلى مستوى عالٍ في مائة سنة. إن المتتبع لحضارة العرب المسلمين، في شتى أنواع المعرفة يستطيع أن يقع على جهود ظافرة وأن يبصر دعائم حضارة مادية معنوية شامخة، تحيط الناس بالأمن والطمأنينة وتمنحهم السمو والرخاء.
هذا وإن من مميزات الحضارة الإسلامية أن كتابها باق يشد العزم كلما اتجهت النفوس إليه، وأن الحضارة الإسلامية لا تتمثل في إحداث تغيير جذري في أنماط التطور المادي والممارسات الاجتماعية ذات الدلالة في الأشكال والألوان، قدر ما تتمثل في تغيير السلوك وتتحرر في تأثير الأسر المادي لتطور العمران، وتعقيد المادة وتنوع المعطيات الاقتصادية والاجتماعية.
ومع أن نمو الحضارة الإسلامية وازدهارها في حياة العرب المسلمين والأعاجم في شعوب البلدان التي حررها الإسلام، وجعلها تنفتح على العروبة من خلال الإسلام، قد أخذ الأطوار الحضارية في العلوم والفنون والمعارف العامة، وما استتبع ذلك من الذوق الجمالي في فنون المعمار وهندسة البناء، والمناهج الخاصة في بحوث الطب والكيمياء وغير ذلك، إلا أن الجهاز العامل في توجيه النمو، والازدهار الحضاري في الإسلام كان هو منهج القيم الأخلاقية في تطور وتصاعد الشكل الحضاري الذي يمكن أن يكون عليه مجتمع الإسلام بشكل يتسق وجوهر الفطرة الإنسانية، ولا يصطدم بها حتى ولو بالتغيير الرمزي الذي قد يكون في الآداب العامة أو الفنون المختلفة وحين امتدت الفتوحات الإسلامية تحمل قضايا تحرير الشعوب المتجهة إليها، كان الذي يسبق عمليات الفتح الإسلامي هو ما عليه المسلمون من خلق مرتبط بمقومات إسلامهم وجوهر العقيدة فيه، ثم كان حرصهم بعد ذلك على أن يتميزوا على المجتمعات المفتوحة بالتحرير، كذلك كان الذي يحكم مصادر السلوك هو مقومات العقيدة في نفس الفرد والإنسان، بصرف النظر عن قيمته الاجتماعية أو ما يوكل إليه من مهام ومسؤوليات.
والعجيب في أمر الحضارة العربية في صدر الإسلام ارتكازها على محور الخلق الفطري في الإنسان، فجملة الفنون والمعارف والهندسة في تطور المجتمعات المسلمة عصر ذاك كانت تقوم، حتى في شكلها الخارجي، على التوحيد والبساطة والاستقامة في جوانب الركن أو البعد أو الزاوية أو الجانب. فنظرة على أنماط المساجد الإسلامية وبيوت الخلفاء وقاعات الحكم وبناء المدينة وشق الترع ووضع الواجهات واختيار الأركان في الشكل المادي البسيط الذي عرفت عليه هو من جوهر مقومات الحضارة. ففي هذا الشكل واستقامة الأمر وفساحة المكان وسعته تتمثل وحدة الركن واستقامته. وكل ذلك مما كان ينصح به وجدان النظر المستقيم في توجيه الأنماط والأشكال في صدر الإسلام.
وفي هذا الجزء من موسوعة الحضارة العربية يقدم الباحث تحليلاً وافياً لمقدمات الحضارة العربية في العصر الإسلامي الأول من خلال دراسة علمية موضوعية. دارت حول المحاور التالية: مقدمة، ظهور الدعوة الإسلامية، تاريخ الدعوة الإسلامية، مغازي النبي وسرياه، سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، تراث الإسلام القرآني، النبوة، تعاليم الإسلام، التأثيرات الإسلامية على العقلية العربية، الفتوحات الإسلامية، أبو بكر الصديق/عمر بن الخطاب، الخلافة ودار الإسلام، الإدارة في الإسلام، دار الإسلام ودار الحرب، التنظيمات العمرانية، المال والقضاء، وحقوق المرأة، القيان والغناء، الحياة الاجتماعية، السياسة الخارجية.