لطالما تساءل الباحث عن أصل الأدب، وعن أصل الفن، وكيف ظهرت هذه الفنون في حياة الناس، وكيف إستطاع الوعي الإنسانيّ أن يبتكر الصورة ويشكّلها، بإعتبارها لبّ العمل الفنيّ، وكلما تعمق الباحث في ذلك، إزدادت حيرته واشتد قلقه، خصوصاً حين يكون أمام هذا السؤال البديهي: ما هو أصل الشعر...

لطالما تساءل الباحث عن أصل الأدب، وعن أصل الفن، وكيف ظهرت هذه الفنون في حياة الناس، وكيف إستطاع الوعي الإنسانيّ أن يبتكر الصورة ويشكّلها، بإعتبارها لبّ العمل الفنيّ، وكلما تعمق الباحث في ذلك، إزدادت حيرته واشتد قلقه، خصوصاً حين يكون أمام هذا السؤال البديهي: ما هو أصل الشعر الجاهليّ؟ وكيف يمكن لنا أن نتصوّر نشأته الأولى؟ وكيف نستدل من خلاله على حياه الإنسان العربي القديم وعلى أنماط فكره في تجلياته الأدبيّة؟.
من هنا، جاء هذا البحث في موضوع "أنثروبولوجية الأدب العربي" للدكتور قصي الحسين فالبحث جديد في الدراسات الأدبية، وبه إستطاع المؤلف، من خلال منهجية واضحة، الولوج إلى أعماق عزّ الوصول إليها في الأبحاث التي تناولت الأدب في العصر الجاهلي.

عاد الباحث إلى الأصول، إلى الجذور، وعمد إلى قراءة جديدة للأدب الجاهلي على قاعدة إرتباطه الوثيق بالحياة الدينية الأسطورية - فأظهر أن أولية الأدب العربي شديدة الصلة بأولية الممارسات الطقوسية في الدين - وبذلك نقل الصورة الأدبية الجاهلية من المفهوم المادي الشائع إلى التجريد.

ولم يكن منطلق البحث إرتجالاً وحماسة لفكرة فجّة، وإنماء جاء نتيجة موقف اتخذه بعدما تخمّر، وبات همّاً ملاحقاً وقناعة ثابتة وهدفاً واضحاً، وأهم ما استطاع تبيانه أن ما جرى على فن الأدب عند الأمم البدائية جرى أيضاً على فن الأدب عند العرب، وأن الأدب الجاهلي شديد الصّلة بأوّلية الممارسات الطقسية، كما أسفلنا، فجاء تأثير الدين والأسطورة والرموز شديداً على خيال الأدباء العرب في تلوين صورهم.

وفرضت المنهجية أن يتوكأ الباحث على مجموعة قيّمة من المصادر والمراجع التي تتعلق بالموضوع، فهضم ما توصل إليه من حقائق ثم إنتقل إلى العرض والتحليل والإستنتاج، مكيّفاً المادة المقمشة لصالح النمو الموضوعي، وبذلك أضاء جوانب مهمة من الحياة في العصر الجاهلي، وأبرز نواحي هامة من العقلية العربية في ذلك العصر وطرق تعامل العقلية مع الموضوع الأدبي.