يعتبر الشيخ عبد الكريم الحبيلي من أكابر العرفاء الشامخين والشارح الثاني لمدرسة إبن عربي العرفانية، بعد الشيخ الكبير صدر الدين القونوي. ويتمتع أولاً بالشهود الآلهي لكل ما أبرزه من المعاني الغيبية والمجردة، بل ما أظهره وأبانه من الحقائق التي يصطلح عليها أهل المعرفة بما وراء...
يعتبر الشيخ عبد الكريم الحبيلي من أكابر العرفاء الشامخين والشارح الثاني لمدرسة إبن عربي العرفانية، بعد الشيخ الكبير صدر الدين القونوي. ويتمتع أولاً بالشهود الآلهي لكل ما أبرزه من المعاني الغيبية والمجردة، بل ما أظهره وأبانه من الحقائق التي يصطلح عليها أهل المعرفة بما وراء المعاني البسيطة الكلية، وثانياً بالبيان العذب السلس البعيد عادة عن الألغاز والغموض وثالثاً بالعرض البرهاني ذي الصبغة العقلية والمشاهد كثيراً في كلمات الشيخ القونوي والمشاهد في عبارات الحبيلي في حين وآخر، مما يكشف عن طول باعه في المباحث الفلسفية والعقلية إضافة الى إستشهاده عادة بالآيات والروايات. وقد أكدت مدرسة إبن عربي على الجانب العلمي في السلوك الآلهي أكثر من الجوانب الأخرى، وتعتبره منهجاً أكثر عطاء في السلوك من باقي المناهج، ومن هنا تؤكد على ضرورة مطالعة كتب أهل المعرفة وبخاصة كتب الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي، وتعتقد أن قراءتها ترقي السالك الى التلبس بالمراتب العالية من السلوك والعرفان بسهولة وفي أقرب وقت، بينما لا تحصل هذه المراتب عادة الا بعد زمن طويل من المجاهدات الشاقة. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن إشتغال العارف بالحق وتجلياته يمنعه دائماً عن إبراز حالاته ومشاهداته بحيث أن التفّوه بالحالات يعتبر دليلاً على عدم الوصول الى الكمال لدى أهل المعرفة، الا أن الشيخ الحبيلي أحياناً يشير بالمناسبة الى بعض حالاته، وتلك الأحوال لا محالة تكشف عن الشخصية العرفانية السامية للجبيلي، ولا بد لمن يدرس حياة الجيلي من الإهتمام بهذا بهذا الجانب. ويؤكد الحبيلي في كل كتبه على أن المعارف التي يذكرها في الكتاب ليست حصيلة الفكر كما هو شأن الفيلسوف أو المتكلم أو الفقيه أو أي عالم آخر، وإنما هي حصيلة التجليات الآلهية التي حصلت له وأٌُذِنَ في بثِّ بعضها، فبثها من خلال التصنيف والتأليف، كما أنه يؤكد مراراً على أن كثيراً من المطالب التي أذن له بثها من خلال التأليف لم يؤذن لأحد بثها لأحد من قبله. وقد تمّ جمع هذه المشاهدات في مقدمة هذا الكتاب، وتم ترتيبها وفقاً للكتاب الذي تُذكر فيه تلك المشاهدات. قال في المناظر الآلهية:
1-منظر التكوين :"وقد أخذت هذه اللذّة فقيراً عن محسوساته حتى غاب عن الكون ومافيه، فلما رجع الى نفسه وجده قذره لِما سرت فيه اللذة الروحانية، فعمّت الروح والقلب، ثم أفاضت بَشَرةِ جسده فأعطاه الجسد حكم بشريته". 2-منظر المكالمة:" وفي هذا المشهد غُيّبتُ عني، فسمعت بكليني لكن بالله، وأنا يومئذ مبتدئ في سلوك طريق القوم سمعت: يافلان أنت محبوبنا- وكُلُّ أحببنا وطلبنا- ولكن نحن أحببناك وطلبناك، فبعد أن رجعت الى محسوستي أخذني هيمان لشدة مابقي عندي من أثر تلك اللذة، فقعدت عن الطعام والشراب ماشاء الله، وكنت أحياناً إذا طرأ ذلك عليّ يحصل عندي بعد رجوعي الى الحسّ مثل ماكان يحصل عليّ في مغيبي وكنت أظنه من جنسه، فلما كشف عني الغطاء تحققنا أن الحاصل عندنا بعد الرجوع الى الإحساس إنما هو من مخاطبات الروحانيين العلويين كان يشتبه عليّ لعدم التمييز، فالحذر الحذر من الوقوع في مثل هذه النسبة والبقاء عليه". بالإضافة الى هذه، هناك العديد الذي ورد في المناظر الآلهية لدى الشيخ الحبيلي والذي جاءت في مقدمة هذا الكتاب، مثل منظر الوحدة، ومنظر الملامة ومنظر الإيمان ومنظر اللذة السارية...، الى ماهنالك، وللشيخ الحبيلي مؤلفات عديدة منها هذا الكتاب الذي قال عنه أنه إنما كان تأليفه بسبب باعث رحماني وإستجابة للأخ العارف.