إن موضوع هذه المأساة معقد ومتنوع. فمن ناحية، هناك أندروماك التي تتردد بين واجبها نحو ابنها وحبها لزوجها المتوفي، ومن ناحية أخرى، هناك هرميون التي لا تعرف إذا كان عليها أن تتقبل واقع أنها خطيبة تخلى عنها خطيبها أو أن تثأر لكبريائها المجروح. أما أورست، فإنه يترك نفسه لأعاصير...
إن موضوع هذه المأساة معقد ومتنوع. فمن ناحية، هناك أندروماك التي تتردد بين واجبها نحو ابنها وحبها لزوجها المتوفي، ومن ناحية أخرى، هناك هرميون التي لا تعرف إذا كان عليها أن تتقبل واقع أنها خطيبة تخلى عنها خطيبها أو أن تثأر لكبريائها المجروح. أما أورست، فإنه يترك نفسه لأعاصير القدر. وفي كل ذلك، الواقع أن أندروماك هي التي تدير دفة الفعل الدرامي، ومعها شخصيتان لا تظهران على المسرح ولكنهما حاضرتان في الخطاب الدرامي، وهما: زوجها هكتور وابنها استياناكس.
وعلى الرغم من أن هذه المأساة بسيطة وسريعة، فإن وضع كل شخصية من شخصياتها محزن ومفجع. فالموت يخيم فوق رؤوسهم كلهم، والمسرحية تنتهي بموت شخصين وجنون شخص آخر. وهذا ما دفع عدداً من النقاد إلى القول إن نهاية هذه المأساة رهيبة وغير متوقعة. فالحب الجارف والعنيف يجعل أضعف هذه الشخصيات، وهو أورست، يرتكب أفظع الجرائم. وهذا ما يؤدي إلى انتحار حبيبته وجنونه هو. وعلى الرغم من كل شيء، فإن النهاية تبقى منطقية ومتماسكة ومنسجمة مع نا نعرفه عن الشخصيات وعن نفسياتهم. وهي تتفق مع المعطيات التي يقدمها المؤلف منذ المشهد الأول من المسرحية.
يقول أحد النقد في المعرض تحليله لنفسية الشخصيات في هذه المسرحية: هناك أربع شخصيات تشغل هذه المأساة: أورست، هرميون، بيروس، أندروماك. أورست يحب هرميون، ولكنها لا تحبه, هرميون تحب بيروس، ولكنه لا يحبها. وبيروس يحب أندروماك، ولكنها لا تحبه. إذاً، هناك ثلاث مجموعات من الأطراف المتناقضة، يدفع بعضهم بعضاً وفي الوقت تفسه يتجاذبون فيما بينهم. وهذه المجموعات هي: أورست وهرميون، هرميون وبيروس، وبيروس وأندروماك. ويمكن أن نقول إن هرميون وبيروس يقعان في الوسط في حين يكون أورست وهرميون الطرفين. وبذلم تكمن اللعبة كلها في ما يفعله العنصران الأوسطان اللذان يقتربان من الطرفين تارة، وتارة أخرى يبتعدان عنهما. فتارة نجد أن بيروس يفقد الأمل من أندروماك فيعود إلى هرميون التي تتخلى عندها عن أورست، ويبقى الطرفان لوحدهما: أندروماك في فرحتها وأورست في خيبة أمله. وتارة أخرى، يجد بيروس الأمل في لقاء أندروماك فيبتعد عن هرميون التي بدورها تقترب من أورست، وهكذا. ليس هناك إذن أي تدخل خارجي، ولا تفاعل مادي، ولا مفاجأة. كل شيء يكمن في النفس، ولا شيء غير النفس: وهذه هي الروعة في الفن الدرامي.
أما في ما يتعلق بالدرس الأخلاقي الذي يمكن أن نستخلصه من هذه المسرحية ومن غيرها من مسرحيات راسين، فإننا يمكن أن نلخصه -مع هنري كلوارد- بالكلمات التالية: إن هذا الشاعر يرسم مشاعر حية ويمكن أن تغوينا. ولكنه يرسم كذلك الفوضى والتعاسات التي يمكن أن تجلبها لنا. وكأن الشاعر يقول: هذا هو ما يفعله الحب بعقلنا وبإرادتنا. وهذا هو ما يفعله الطموح بروحنا، وهذه هي المأساسة في مصيرنا إذا تركنا أنفسنا تنجرف لأوهام العالم والحياة.