ذكر ابن الأنباري، وياقوت الحموي والكتبي كتاب الحروف باسم "معاني الحروف"، وذكره القفطي باسم "الحروف".
وقد ظهر الكتاب مطبوعاً باسم "منازل الحروف"، وقد كانت هذه التسمية من صنع ناسخها، وتابعه الناشر على ذلك، وقد نشرت هذه الرسالة في بغداد سنة 1955 بتحقيق الأستاذ محمد حسين ياسين، وكانت واحدة من الرسائل أطلق عليها "نفائس المخطوطات"، واعتمد المحقق على نسخة ضمن مجموع مخطوط في خزانة المتحف العراقي.

وهذه النسخة مع حداثتها ليست وافية، ولم يعتمد المحقق على غيرها من النسخ، ففي القدس مكتبة البديري نسخة باسم كتاب الحروف، وهذه النسخة مصورة بمعهد المخطوطات، الأمانة العامة لجامعة الدول العربية.

وقد جاء في تعريف معهد المخطوطات بهذه النسخة، أنها كتبت في القرن التاسع بخط نسخ حسن، وأن عدد أوراقها خمس وعشرون ورقة تقريباً، وفي الصفحة ثلاثة وعشرون سطراً، وفي كل سطر ثلاث عشرة كلمة في المتوسط.

وبالعودة لمتن المخطوط نجد أن علي بن عيسى الرماني ألف كتاب الحروف على مثال كتاب الحروف لأرسطاليس، الذي أشار إليه ابن النديم، حيث قال:

"وترتيب هذا الكتاب –كتاب أرسطاليس- على ترتيب حروف اليونانيين، وأوله الألف الصغرى، ونقلها إسحق، والموجود منه إلى حرف "مو". ونقل هذا الحرف أبو زكريا يحيى بن عدي، وقد يوجد حرف "نو" باليونانية بتفسير الإسكندر، وهذه الحروف نقلها إسطاف الكندي، وله خبر في ذلك...".

وقد بدأ الرماني بالحروف الأحادية، ثم ثنى بالثنائية، ثم تحدث عن الثلاثية فالرباعية، وقد أورد الرماني هذه الحروف في سلك لا يخضع لنظرة ذات اتجاه منظم، فقد تحدث عن الحروف بالترتيب الآتي: الحروف الأحادية: الهمزة، الباء، التاء...

الحروف الثنائية: وقد أوردها على النسق الآتي: أل- أم- أن- إن- أو-أي...

الحروف الثلاثة: منذ- نعم- بلى...

ثم ساق الكلام عن: حاشا- حتى- كأن- كلا- لولا- لوما- لعل- ألا- أما- إما- هلا- لما- لكن (تلك هي الرباعية).

والرماني في حديثه عن الحروف، يذكر الحروف ويبين أعامل هو أم هامل؟ ثم يورد الاستعمالات المختلفة مبنية على أقوال النحاة، وما حكي عن أئمتهم كالخليل وسيبويه، والمازني، والمبرد، وعلي بن سليمان الأخفش، وقد يكتفي بإيراد ما يقول هؤلاء الأئمة دون تعليق عليها حيناً، وقد بعقبها بتعليق، أو تفنيد، أو تفسير، أو اعتراض أو ترجيح، وحينئذ تبرز شخصيته في وضوح.

وهو غالباً يعتمد ما يقوله سيبويه، ويخالف الكسائي والفراء، ويستشهد بابن جني والربعي، ويعلق على رأي للربعي بأنه قريب، مع أن كلا منهما تلميذ لأبي علي الفارسي، على حين أنه لم يستشهد بالفارسي مع أن له آراء متعالمة مشهورة.

والرماني في كتابه "الحروف" قواعد عامة تعد أصولاً نحوية، كأن يقول: "المضمر يرد الأشياء إلى أصولها في غالب الأمر"، أو يقول: "لا يجوز أن تقع "أو" مع الأفعال التي تقتضي فاعلين".

والرماني في كتابه "الحروف" يعرض آراء البصريين والكوفيين، وقد يسردها سرداً لا تعليق فيه ولا تعقيب، فلا تكاد عندئذ تتبين مذهبه النحوي، وقد تجد ما يدل على بصريته في خفوت حيناً.

ومما يتصل بمذهبه النحوي، وأنه إلى البصرية أميل، تحكيمه مذاهب النحاة في قراءات القرآن الكريم، فيحكم على قراءة صحيحة بأنها بعيدة عند النحويين، كما حكم على قراءة "تماماً على الذي أحسن"، وكذلك تعليقه على قراءة: لأقسم" بقوله: وفيها نظر.

والرماني يمزج كلامه في النحو بما يتصل بعلم المعاني، فقد ذكر أن الهمزة تكون للإنكار والتوبيخ والاسترشاد، وتقريره الخبرية.

والرماني يؤيد ما يذهب إليه بالصحيح من الشواهد: القرآن الكريم، والشعر العربي، وقد رأيته يستشهد بالحديث الشريف، كم أورد بيتاً لبعض المولدين، وعلق على قوله بالقبح.

وتجد إشارات إلى لهجات القبائل في قلة يذكرها في معرض الحديث عن الاستعمالات المختلفة للأحرف، كإشارات إلى لهجة هذيل، والحرث بن كعب والتميميين والحجازيين. كما يتعرض لرسم المصحف ويحتج به.