استأثر الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام بقسط كبير من اهتمام المؤرخين والباحثين في شتى صنوف المعرفة، لأسباب في غاية الوضوح ذلك أن علياً لمع نجمه في كل ميادين الحياة في ظرف زماني بالغ الحساسية والتوتر من تاريخ البشرية حين شهدت ربوع الجزيرة العربية ولادة أكمل دين ختم الله به...
استأثر الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام بقسط كبير من اهتمام المؤرخين والباحثين في شتى صنوف المعرفة، لأسباب في غاية الوضوح ذلك أن علياً لمع نجمه في كل ميادين الحياة في ظرف زماني بالغ الحساسية والتوتر من تاريخ البشرية حين شهدت ربوع الجزيرة العربية ولادة أكمل دين ختم الله به الأديان. ولم يكن هذا الاهتمام الكبير بشخصية الإمام علي عليه السلام إلا انعكاساً لما تركه من آثار وما خلفه من معطيات على صعيد مادي ومعنوي حيثما أثبت في أيام حياته أنه البطل دون منازع في كل الميادين التي تركت فيها الرسالة في نشر تعاليمها وبيان مضامينها وبسط نفوذها. والغريب في أمر علي أن نجمه لم يأفل في سماء العالم رغم غياب شخصه المادي كأمر طبيعي ومصير محتوم لكل البشر، وإنما بقي على وهجه وتأثيره أيام حياته، فاختلفت بشأنه الآراء، وكثرت فيه الأقوال والأقاويل. وقد تسبب ذلك في رسم صور متعددة وتحت تماثيل متكررة، متكاثرة-إن صح التعبير-كان يهدف إلى تجسيد جانب أو جوانب من شخصيته بكل ما لها من أبعاد وما ينطلق منها من آفاق
ومن خلال مرافقة السيد "طاهر عيسى درويش" الطويلة لعلي عليه السلام في سيرته، ومتابعته له في خطبه وأقواله، وقراءته لأحداث حياته تبين له أن علياً رسم لنفسه هو الآخر صورةً مشرقةً متكاملةً تكاد تستوعب أغلب أدوار حياته في كمٍّ كبير من النصوص التي تناثرت في أسفار التراث حديثاً وتاريخاً وسيرةً، سواء عبر ما جمعه الشريف الرضي من خطبه وكتبه وحكمه أو في غيره من كتب سبقت حتى ولادة الشريف نفسه. ومن هنا انبثقت عنده فكرة هذه المحاولة المتواضعة التي تستهدف جمع الأجزاء المتباعدة والأوصال المتناثرة في كتاب هو في واقع الأمر أشبه بالترجمة الذاتية لعلي عليه السلام كتبها هو نفسه ببلاغته المعهودة وصدقه المعروف وحكمته البالغة وتجربته العميقة وعلمه الغزير. ولئن اقتصر الفنانون في رسم الصور بأبعادها الظاهرية، فإن ريشة علي امتدت لتجسد ما خفي من مكونات شخصيته وما ظهر، حتى إن كلامه عليه السلام يجعل المتلقي السامع بمنزلة الحاضر المشاهد، وعليه سوف يقف القارئ في هذا الكتاب على صور رائعة لمحتوى نفس عليّ بكل ما تنطوي من جمال وكمال في صدق النية ونقاء البصيرة وطهارة المحتوى وسلامة الصدر ونبل الأهداف، كما سوف تتجلى للقارئ خصائصه ومكامه من خلال كلماته وخطبه فيجده يصف علمه الغزير وشجاعته الباهرة وخلقه الكريم وزهده في الدنيا وحبه الذي امتلك الأفئدة… بعد هذا وذاك سيسير القارئ مع علي في خطط سياسته أيام خلافته فيكتشف جوانب عظمته كإمام برّ عادل حميم وسياسي محنك بصير، ومقاتل دون مبادئه عنيد.