من أهم الوسائل التي ذهب إليها الأدباء والعلماء في العصور الأدبية المتأخرة وخصوصاً في العصر العثماني، تقييد الآداب والعلوم على اختلافها، شعراً وذلك حتى يسهل على المتأدب أو المتعلم حفظها بيسر وسهولة ومتى تأخذ حيزها الطبيعي من ذاكرته فلا ينساها، كما ينسى غيرها مما تعلمه بلغة...
من أهم الوسائل التي ذهب إليها الأدباء والعلماء في العصور الأدبية المتأخرة وخصوصاً في العصر العثماني، تقييد الآداب والعلوم على اختلافها، شعراً وذلك حتى يسهل على المتأدب أو المتعلم حفظها بيسر وسهولة ومتى تأخذ حيزها الطبيعي من ذاكرته فلا ينساها، كما ينسى غيرها مما تعلمه بلغة النثر. إذ لغة الشعر أقوى في حافظة المرء من لغة النثر. ولذلك اتخذ جمل الشعر وسيلة تعليمية. فظهرت "ألفية ابن مالك" لتقييد وتعليم قواعد العربية، كما ظهر كتاب "مرجع المشكلات في الاعتقادات والعبادات والمعاملات والجنايات على مذهب الإمام مالك". في هذا السياق يأتي كتاب العلامة إبراهيم بن علي الأحدب الطرابلسي المتوفي سنة 1308هـ/1891م، الموسوم بكتاب "فرائد اللآل في مجمع الأمثال". فقد اتبع هذا الأسلوب التعليمي ونهج نهجه، إذ نظم شعراً جميع الأمثال الواردة في كتاب مجمع الأمثال للعلامة أبي الفضل أحمد بن إبراهيم الميداني النيسابوري وذلك آخذاً بسنة القدماء في تقييد الآداب والعلوم بواسطة الشعر، حتى يسهل على جميع المتأدبين حفظ هذا العم، علم الأمثال ، وحتى يكون لهذا الحفظ في واعية المتأدب حصانته من النسيان.
هذا وقد انصرف الشيخ إبراهيم الأحدب لنظم مادة كتاب مجمع الأمثال، بعدما كان أمضى حقبة من الزمن حدب فيها على التدريس ونشر العلوم الأدبية والدينية. كما اهتم خلالها بحفظ كثير من الأحاديث وعدة متون من النحو والصرف والفقه والمعاني والبيان والمنطق والمقامات. وكان إلى ذلك يتقن قول الشعر، بحيث لا يخلو بين من شعره من صناعة بديعية أو نكتة أدبية أو معنى نادراً أو حكمة بالغة أو مثل سائر. وكذلك كان ينشئ الكلام المنثور ثم يفرغه في قالب المنظوم ارتجالاً، دون أن يخل بشيء من المعنى مع الرفه والانسجام. وهذه المعطيات الثقافية والتعليمية بالإضافة غلى خصوصيته الرفيعة في النظم والإبداع، مكنته من جمل كتاب مجمع الأمثال جميعه على جمل الشعر، دون أن يعيا بذلك، أو يصيبه أي للآل أو حلال، ينحيه عن بلوغ هذا الهدف التعليمي النبيل.
ولأهمية هذا الكتاب انصرف الدكتور قصي الحسين الأستاذ المحاضر في الجامعة اللبنانية كلبة الآداب إلى تحقيق وشرح وفهرسة متن كتاب الشيخ الأحدب "فرائد اللآل في مجمع الأمثال" معتمداً الخطة التالية في التحقيق: أولاً: عمد إلى وضع ترقيم خاص بالأبيات التي اشتملت على الأمثال الفصيحة وما جاء منها على صيغة أفعل، ثانياً: وضع ترقيم خاص للأبيات التي اشتملت على أمثال المولودين تمييزاً لها عن الأمثال الفصيحة السابقة، كما واعتنى بوضع ترقيم خاص للأبيات التي اشتملت على أيام العرب في الجاهلية والإسلام. ثالثاً: ضبط المادة الشعرية للديوان ، فميز الأبيات التي نظمها الأحدب عن سواها وجعل لها أرقام. رابعاً: ضبط الأبيات الأخرى وهي من شواهد السعر العربي، فحققها وغيروها لأصحابها، مشيراً إلى مظانها من كتب المصادرة المراجع. خامساً: ضبط الأحاديث الوارد ذكرها في الديوان، كما وضبط أسماء الأماكن. سادساً: ألحق الديوان بفهارس ممنوعة تساعد في تصفح الديوان والوقوف على مضمونه.