ليس هناك من شك أن الباحث في تراث أمتنا العربية الإسلامية، أصبح على قناعة قاطعة بأن هذا التراث هو الأغنى وهو الأشمل، وهو الأكثر إحاطةً لمختلف نواحي الفكر والثقافة من أيّ تراثٍ إنساني آخر، ذلك لتنوع مادتّه، وغزارة فكره، وأصالة أدبه، وترسّخ حضارته، وتأكيد شخصيته المميزة.وليس...
ليس هناك من شك أن الباحث في تراث أمتنا العربية الإسلامية، أصبح على قناعة قاطعة بأن هذا التراث هو الأغنى وهو الأشمل، وهو الأكثر إحاطةً لمختلف نواحي الفكر والثقافة من أيّ تراثٍ إنساني آخر، ذلك لتنوع مادتّه، وغزارة فكره، وأصالة أدبه، وترسّخ حضارته، وتأكيد شخصيته المميزة.
وليس كتاب " العقد الفريد" إلا واحداً من تلك الملايين من الكتب، ولكنّه ليس كتاباً عادياً، وليس مؤلفه، المشهور بـ "ابن عبد ربه الأندلسي" إلا واحداً من عشرات الآلاف من المؤلفين والمصنفين، ولكنه لم يكن مؤلفاً عادياً. فكتاب "العقد الفريد" هو مجموعة كُتب في كتاب واحد، بل هو كتاب موسوعي، أوحُلّ، دائرة معارف إنسانية حافلة بضروب مختلفة في الأدب، والتاريخ، والسّير، والحكم، والزهد والمواعظ، والإنسان، والأمثال، واللغة والحديث والنوادر والأخبار والطرف، والسياسة، والتراجم، وفنون الحرب، والغناء والموسيقى، وقصص الأمم والشعوب... جمعها وألف بينها بتناسق عجيب، وتتابع متناغم، مؤلف أندلسي ذوّاقة، أغار على عشرات المصنفات لمؤلفين سبقوه، فاختار أجود ما جمعوه، وانتخب أجمل ما دونوه، وطوّل في ما انتقاه من غرر الأخبار والخصائص الأدبية على اختلافها من نثر وشعر، حتى خلص إلينا نتاجه مجموعاً في هذا الكتاب المؤلّف من عدة مجلدات، ليشهد على غزارة مادته، وسعة إطلاعه وعظيم جهده في اختيار مختارة، وامتياز، وجنيه من روض حسنه وردة وإبهاره.
فكتاب "العقد الفريد" لأغنى عنه لكل أديب وشاعر وناثر، ولكل مؤرخ يؤرخ لأيام العرب في الجاهلية، وللسيرة النبوية، ولعهد الخلفاء الراشدين، وللعصر الأموي، ولحقبة من العصر العباسي، ولمرحلة من الحكم الأموي في الأندلس. والكتاب، أيضاً، لا يستغني عنه من يكتب في سياسة الملك، أو في فنّ الحرب عند العرب والمسلمين، وأسلحتهم وخيولهم ومكائدهم، ووقائع معاركهم، أو لمن يكتب عن الوفود التي وفدت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى الخلفاء الراشدين، والخلفاء الأمويين.
ولا غناء عنه لكل مشتغل في البلاغة، والنحو، والعروض، وعلم القوافي، وعرُض الشعر العربي وبحوره وأعاريضه، وللمهتم بالأمثال والقول المأثور، والحكم والمواعظ، وأقوال الزهاد والعباد والواعظ. وباختصار فـ "العقد الفريد" هو "خزانة كتب" حوت معارف شتى من تراث أمتنا وآدابها، وآداب الأمم الأخرى ذات الموروث الحضاري، فحل الكتاب بمقتبسات من آداب الفرس ونظمهم، وآداب اليونان وفكرهم، وآداب الهند وعلومهم.