"أدب الدنيا والدين" كتاب عظيم النفع لأوساط الناس وخاصة الشداة من طلاب العلم بالمدارس الثانوية والجامعة الأزهرية، وموضوعه الأخلاق والفضائل الدينية، من الناحية العلمية الخالصة، وبعضه في الآداب الاجتماعية وهي التي سماها المؤلف: "آداب المواضعة" وهو لا يتعرض لأصول الأخلاق من...
"أدب الدنيا والدين" كتاب عظيم النفع لأوساط الناس وخاصة الشداة من طلاب العلم بالمدارس الثانوية والجامعة الأزهرية، وموضوعه الأخلاق والفضائل الدينية، من الناحية العلمية الخالصة، وبعضه في الآداب الاجتماعية وهي التي سماها المؤلف: "آداب المواضعة" وهو لا يتعرض لأصول الأخلاق من الوجهة النظرية العلمية، كالوراثة والبيئة والغرائر والأمزجة والعادة وما إليها وإنما يعول على ما في القرآن والسنة النبوية المحمدية، من آيات وأحاديث تحث على الفضائل، وتنهي عن الرذائل، ثم يعول بعد ذلك على التراث الأدبي العربي والتراث الأجنبي القديم الذي امتزج بآداب العرب والإسلام بعد الفتح العربي، فيتخذ من هذا وذام حكماً وعظات، وأمثالاً وأشعاراً... الخ، ومصنفه من هذه النواحي يشبه كثيراً من المؤلفين الإسلاميين في الأخلاق، وأخصهم به شبهاً ابن حبان البستي صاحب "روضة العقلاء" وكان الماوردي من أئمة الفقهاء، فبينهما قدر مشترك من المعرفة بالقرآن والسنة والإطلاع إلى الآداب العربية وغيرها، إلا أن الماوردي يمتاز عن سلفة البستي بميزة ظاهرة، هي أنه لا يورد النصوص الدينية ولا الحكم والأمثال والأشعار، مقصودة لذاتها أولاً، ثم يعقب عليها بالشرح والتفسير والاستشهاد، ولكنه يتصور الموضوع الأخلاقي تصوراً عاماً، ويضع له الحدود والفصول والمسائل، ويستلخص الأسس والقواعد، ثم يحشو هذه الأبواب والفصول بكلامه وبحثه الخاص، ثم يأتي بالنصوص من الأحاديث والحكم وما إليها، مؤيداً بها صحة ما يذهب إليه من فكرة، وصنيعه هذا شبيه بصنيع الفقهاء الذين يقسمون البحث في الموضوع الفقهي إلى أبواب وفصول ومسائل، ويستشهدون أحياناً بالأدلة المؤدية، والحجج الناطقة: فطريق المؤلف وسط بين طريق أهل الرواية من المحدثين واللغويين والأدباء، وطريق الباحثين النظريين، الذين لا يعولون في بحثهم على النصوص مطلقاً، واعتمادهم في البحث قائم على المنطق والتجربة والمشاهدة.
وقد قسم المؤلف كتابه إلى خمسة أبواب، وكلامه في الباب الأول: فضل العقل وذم الهوى، لا يخلو من نظرات فلسفية قديمة غير إسلامية، وكلامه في الباب الرابع: "أدب الدنيا" لا يخلو من نظرات اقتصادية واجتماعية على نحو مباحث ابن خلدون في مقدمته.
وأما الباب الثاني "أدب العلم" فإنه من الموضوعات الإسلامية الخالصة التي تمت إلى الحديث وإلى الآداب التي تواضع عليها المسلمون في أجيالهم العلمية، منذ حياة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى حياة المؤلف، وقد أفرده جماعة بالتأليف، وكذلك الباب الثالث: "أدب الدين" والخامس" "أدب النفس" هما من صميم الأخلاق الدينية الإسلامية، القائمة على الكتاب والسنة.
أما مؤلف هذا الكتاب فهو "أبو الحسن بن علي بن حبيب الماوردي البصري" ولد بالبصرة ونشأ بها ثم استوطن بغداد وفوض إليه القضاء في بلدان كثيرة. وكان جليل القدر متقدماً عند السلطان ديناً تقياً كثير المجاهدة لنفسه دائباً في مراقبتها. وهو من وجوه فقهاء الشافعية وكبارهم وكان حافظاً للمذهب لوه فيه كتاب الحاوي الذي لم يطالعه أحد إلا شهد له بالتبحر والمعرفة التامة بالمذهب.
درس ببغداد والبصرة سنين كثيرة وانتفع الناس به وبمصنفاته في حياته وبعد مماته. وكانت وفاته يوم الثلاثاء سلخ ربيع الأول سنة 450هـ (26 مايو سنة 1058م) وله من العمر 86 سنة ودفن بمقبرة باب حرب ببغداد رحمه الله تعالى ورضي عنه.