تمثل العبادة بإعتبارها جزءاً رئيساً من التشريعات الإلهية، دوراً مهماً في تحقيق قدر كبير من الإستقرار النفسي والإجتماعي لدى الإنسان، وإلى جانب تشريع العبادة يمثل التشريع - بصورة عامة - بقسميه الإلهي (العبادات والمعاملات، والمدني (المعاملات فقط، إذ لا يوجد في التشريعات...
تمثل العبادة بإعتبارها جزءاً رئيساً من التشريعات الإلهية، دوراً مهماً في تحقيق قدر كبير من الإستقرار النفسي والإجتماعي لدى الإنسان، وإلى جانب تشريع العبادة يمثل التشريع - بصورة عامة - بقسميه الإلهي (العبادات والمعاملات، والمدني (المعاملات فقط، إذ لا يوجد في التشريعات المدنية تشريعات عبادية) - العلاج والوقاية لذي مجتمع، فالأنظمة وتفاصيلها المتعددة هي علاج لما قد يحصل من تجاوزات من قبل المخالفين لها، ووقاية لما يتوقع من تجاوزات أو تعارض بين هذه الأنظمة وما يحقق العلاج الواقعي والوقاية الصحيحة هو بالتالي يحقق العدالة الإجتماعية للجميع.
وهو ما تهدف إليه التشريعات، سواء الإلهية منها أو المدنية، إذ تسعى هذه التشريعات جميعاً إلى أن يأخذ كل فردٍ حقه كاملاً دون أن يتعدى على حقوق الآخرين، ومتى ما سمت وتقدمت الدراسات التشريعية (الفقهية) وتعمقت في مراكزها ومعاهدها العلمية في أي مجتمع، فإن ذلك دليل سموّ وتقدم المجتمع الذي يحتضنها.
من هنا، تأتي أهمية هذا الكتاب الذي يمثل مادته مساهمات علمية تأتي وفق المنهج الفقهي الإمامي، شارك فيها ونشرها الدكتور العلامة عبد الهادي الفضلي في مناسبات ومواقع عدة، إستقام الرأي في "لجنة مؤلفات العلامة الفضلي" جمعها وتبويبها في أبواب ثلاثة تمثل بمجموعها المجلد العاشر من المجموعة الفقهية، التي تضم وإلى جانب هذا المجلد: مبادئ علم الفقه بأجزائه الثلاثة، وتاريخ التشريع الإسلامي، ودروس في فقه الإمامية بأجزائه الخمسة.
وإلى هذا فقد تم ترتب هذا المجلد بما يتناسب والمنهجية الحديثة التي إرتآها المؤلف في تبويب الفقه، حيث عمد إلى وضع تقسيم سباعيٍّ جديد، اقترح فيه تبويب الفقه إلى الأبواب الخمسة التالية: أحكام العبادات، الأحكام الفردية، أحكام الأسرة، الأحكام الإجتماعية، أحكام الدولة، أحكام المالية العامة، أحكام المعاملات الإقتصادية.
وفي خطوة لتقديم الكتاب، تم إرفاقه بدراسة لسماحة السيد محمد طاهر الحسيني وجاءت تحت عنوان "الشيخ الفضلي فقهياً" حيث تعدّ هذه الدراسة من أوسع الدراسات المكونة للكتاب، وإنسجاماً مع منهجية المؤلف في التبويب الفقهي، استهل الكتاب بباب أول جاء تحت عنوان "دراسات ميدانية فقهية حول مواقيت الحج"، حيث شمل ثلاثة فصول حول المواقيت: الجحفة، والسيل الكبير، ويلملم، وتعد من الدراسات القليلة التي زاوحت بين الدرس الشرعي والبحثين الميداني والجغرافي المقارن بين القديم والحديث، فيما كان الباب الثاني بعنوان: "من الفقه السلوكي الفردي" يبحث في موضوعين من الموضوعات التي غالباً ما يتم بحثها فقهياً ضمن مسائل باب "المكاسب المحرّمة" من فقه المعاملات، دون تخصيص باب فقهي مستقل لكلّ منهما، وهما: "الغناء" و"حلق اللحية".
وتضم الباب الثالث والأخير الذي جاء الحديث فيه حول "فقه الدولة والمجتمع" فصولاً ستة، أولها "القضاء الجعفري - المفهوم والمنطلقات"، وجاء الفصل الثاني تحت عنوان "الرأي الفقهي حول ولاية المرأة"، وهو من العناوين ذات الحضور الإعلامي الواسع اليوم، تحدث فيه الشيخ الفضلي عن قولي المرأة لــ"منصب رئاسة الدولة" و"منصب الإفتاء" و"منصب القضاء"، ويليه الفصل الثالث: "مشكلات الوقف الإسلامي وسبل تنميته" تحدث فيه الشيخ حول تلك المشكلات إنطلاقاً من الحديث عن بعض المشكلات في الأوقاف الشرعية في منطقة الإحساء، وجاء الفصل الرابع والأخير من الباب الأخير تحت عنوان: "الموقف في ظل الدولة الشرعية والمرجعية القائدة" وأخيراً الخاتمة التي ضمت الفصلين الخامس والسادس تحت العنوانين: "الرأي الفقهي في الصلح مع إسرائيل" ثم "الجهاد الإستشهادي" اللذان يعدان من موضوعات الفقه السياسي.
ويعدّ تطرق الشيخ لهذين الموضوعين من المساهمات البارزة له في هذا الباب، حيث أن القلّة من الفقهاء الذين تطرقوا لمثل هذه الموضوعات ودراستها من الناحية الفقهية البحثة، رغم حاجة المجتمعات الإسلامية لهذا بصورة ملحة في يومنا هذا.