مرّت عشرون سنةً على انتصار الثورة الإسلامية في إيران وتشكيل الجمهورية الإسلامية فيها، لقد كانت هذه الثورة تجربةً جديدةً في ميدان الحكم الديني، إذ اختلطت الجمهورية فيها بالسيادة الربانية كما تربعت على كرسيّ واحد مركزية الدين والفقاهة إلى جانب الديمقراطية واحترام الرأي...
مرّت عشرون سنةً على انتصار الثورة الإسلامية في إيران وتشكيل الجمهورية الإسلامية فيها، لقد كانت هذه الثورة تجربةً جديدةً في ميدان الحكم الديني، إذ اختلطت الجمهورية فيها بالسيادة الربانية كما تربعت على كرسيّ واحد مركزية الدين والفقاهة إلى جانب الديمقراطية واحترام الرأي العام. وقد أثارت هذه التجربة الحديثة ردود فعل كثيرة مؤيّدة ومعارضة، واتخذت لنفسها حيزاً واسعاً من الكتابات السياسية الأخرى، وسبب إبهام هذا المركّب الجديد، السابقة غير المرضية للتجارب التاريخية الأخرى للدولة الدينية، كما أن المشكلات السياسية-الفكرية التي أحدثتها هذه النهضة والحركة الجديدة، على صعيد المنطقة، وعالم السياسة، زادت من حساسية المؤيدين والمعارضين لهذه الأطروحة الحديثة.
إن هذه الدراسة التي تمثل حصيلة مطالعات ومباحثات كاتبها في بعض الملتقيات والمنتديات الحوزوية والجامعية، تهدف إلى القيام ببحث توصيفي تحليليٍّ لأهم الموضوعات المطروحة على صعيد الحكومة والدولة الدينية، ما تسعى إلى تقديم بيانات منطقية ومستدلٍّ عليها بحملة من الشبهات والهواجس الفكرية التي عصفت بالأجواء السياسية للمجتمع الإيراني، في الآونة الأخيرة، وركزت نشاطها على مسألتي قبول الدولة الدينية ومشروعيِّتها.
يرى الكاتب أن الإقبال الملحوظ من قبل شباب هذا البلد (إيران) على هذه المباحث يضع بين أيدي الباحثين فرصة تستحق الاغتنام ليسعى أهل الفكر والقلم والمتلهفّون للصلاح والسداد، لتبيين أسس هذه التجربة الجديدة وأصولها، وللقيام بإبدال الأجواء المثيرة للأوهام والصراعات والمشكلات السياسية بأجواء يعمرها المنطق والفكر، والتأمل، وعلى هذا الأساس، فإن المخاطب الأصلي لهذه الدراسة هم الشباب الحوزوي والجامعي، ومن هنا سوف يسعى المؤلف إلى تجنب المباحث التجريدية والجزئيات التفصيلية سواءً على صعيد سبك العرض وطرازه أم على صعيد مستوى الخوض في المباحث نفسها، والعمل على تبيين أصول الدولة الدينية مبانيها ونظرية ولاية الفقيه، وقد جرى توزيع مطالب الكتاب على أربعة فصول، يجري في الفصل الأول منها شرح حقيقة الحكومة والدولة الدينية وماهيتها، فيما يخصص الفصل الثاني لبحث المذهب العلماني، ذاك المذهب الذي لا يتفاعل مع أصل تركيب الدين والدولة، وينكر بالتالي مرجعية الدين في الأمور الاجتماعية، والسياسية، كما سوف يجري في هذا الفصل أيضاً-وضمن تعريف العلمانية-التعرض لأهم الاستدلالات التي أثارها العلمانيون لنفي الدولة الدينية، ومن ثم الإجابة عنها. أما الفصل الثالث فيحاول-ابتداءً-دراسة التساؤل الآتي: هل أسّس النبي (ص) دولةً؟ وهل كان لهذه الدولة طابع ديني أو أن الدولة قد قامت بناءً على طلب وإرادة الشعب، وبالتالي فليس لدى الحديث أية دعوة لتشكيلها؟ واستمراراً لهذا البحث ستكون هناك دراسة للفكر السياسي للمذهبين الكبيرين المسلمين، أي المذهب الشيعي والمذهب السني. أما الفصل الرابع والأخير، فيختص بالبحث عن الفكر السياسي الشيعي في عصر الغيبة، أي عن ولاية الفقيه، ويهدف إلى ذكر بعض المباحث المطروحة عن هذه النظرية.