إن استعراض أقوال الإمام علي رضي الله علينه، ومعالجاته لأمور القضاء علاوة على أحكامه في مئات المسائل الموروثة عنه، يمثل أهم الوثائق التي تمدنا بالأسس الرئيسية في القضاء. أما ما نظره فكرة الملهم في ما ينبغي أن يكون عليه القاضي الكفء وأصول الترافع في مجلس القضاء ومستلزماته...

إن استعراض أقوال الإمام علي رضي الله علينه، ومعالجاته لأمور القضاء علاوة على أحكامه في مئات المسائل الموروثة عنه، يمثل أهم الوثائق التي تمدنا بالأسس الرئيسية في القضاء. أما ما نظره فكرة الملهم في ما ينبغي أن يكون عليه القاضي الكفء وأصول الترافع في مجلس القضاء ومستلزماته فيحدد وبجلاء معالم ذلك النهج الذي تنم خطوطه العريضة عن عبقرية فذة فعلاً.
وقد كان هذا الجانب المتميز، من جملة ما انفردت به شخصية أمير المؤمنين عليه السلام، التي لم يسبر غورها، ويتعمق من سرها، أحد من الباحثين المحدثين، ثم إن ما تبقى من آثار السلف الصالح الذين تناولوا قضاءه قد غلب عليه طابع السرد الروائي لقضاياه والنقل القصصي لأحكامه، ما يصل بها أحياناً إلى الأساطير من دون تحميص أو تحقيق أو تدقيق، أو منهم معمق للدلالات الفكرية وما تمخض عنها من مسائل ونتائج هامة في مجال فقه القضاء وفنه، ناهيك عن أصالته الإبداعية في استنباط الأحكام، فكل حكم صدر عنه في جزئيات القضايا فلسفة وحكمه، وتستلخص منها قاعدة وتستلهم منها فائدة وسابقة قضائية عميقة المضمون، لما تحويه من مغزى فقهي رحب الثراء في مجال تطبيقات العدالة وحسن أدائها.

لهذا جميعه، تناول المؤلف فاضل عباس الملا هذا الجانب الحيوي من هذه الشخصية الخالدة، آخذاً من الأسلوب المبسط التعبير مسلكاً في البحث والتحليل، مبتدئاً بإيراد بعض النصوص النثرية من بلاغته في المجال المذكور الذي سيكون محلاً للباب التمهيدي لهذا الجهد، ثم أتى إلى بحث منهجه في القضاء نظرياً وعملياً، وذلك في بابين رئيسيين: الأول عرج فيه إلى الإطار الفكري للقضاء عند الإمام علي، والثاني جنح فيه إلى بحث الإطار التطبيقي لعمله القضائي.