في أصغي إلى رمادي، يروي حميد العقابي تفاصيل تجربته الذاتية والتي تشكل بالتالي جزءاً من تجربة جيل عايش مراحل الوجع والفجيعة وفر هائماً على وجهه في المنافي. وهو هنا ينفرد بذكرياته، يقلبها ويرمم ما تآكل منها ويظل يصغي إلى رماده. فالمدن البعيدة لم تنجح في أن تنسيه الوطن. وهو...
في أصغي إلى رمادي، يروي حميد العقابي تفاصيل تجربته الذاتية والتي تشكل بالتالي جزءاً من تجربة جيل عايش مراحل الوجع والفجيعة وفر هائماً على وجهه في المنافي. وهو هنا ينفرد بذكرياته، يقلبها ويرمم ما تآكل منها ويظل يصغي إلى رماده. فالمدن البعيدة لم تنجح في أن تنسيه الوطن. وهو كائن "يراهن على المرور من ثقب إبرة" إلى حيث تتسع فضاءات الحرية. إنها مدن تحاصره لا يجد مفرات من الضياع منها عليه أن يهتدي إلى مراسيه الأخير فمن طهران ومعسكرات اللاجئين يدرك منذ الوهلة الأولى ماذا تعني الغربة فلم تكن طهران سوى محطة أولى من رحلة نفي لا تنتهي.
ثلاث سنوات يقضيها في إيران فيها أغرب ما يمكن لإنسان أن يراه "غرفاً لا يسكنها عير الشحاذين والفئران وسجوناً، حدوداً مدناً، يقيم أناس متمدنون بوجوه بيض وعيون زرق أو خضر وأخرى يقيم فيها مغوليون بوجوه صفر كأنهم خارجون من ظلام التاريخ". إن الكاتب يختصر معاناة وطن يخرج من المجهول إلى المجهول وهو يحاول أن يتذكر تفاصيل سيرته ليسدل الستار على الفصل الأخير "حينما سوف أرحل أترك في شفتي: الستائر مسدلة، أصص الزهر عطش، وأهدي لجاري المقعدة، سريري، ومقلاة بيض، ومنضدتي".