إن السُنَّة النبويَّة هي الأصلُ الثاني من أصول الأحكام الشرعية التي أجمع المسلمون على إعتبارها أصلاً قائماً بذاته، فهي والقرآن الكريم متلازمان، لا ينفَكُّ أحَدُهما عن الآخر، فالقرآنُ الكريم كلِّيُّ هذه الشريعة، والرسول صلى الله عليه وسلم مُبينٌ بسُنَّتِه...
إن السُنَّة النبويَّة هي الأصلُ الثاني من أصول الأحكام الشرعية التي أجمع المسلمون على إعتبارها أصلاً قائماً بذاته، فهي والقرآن الكريم متلازمان، لا ينفَكُّ أحَدُهما عن الآخر، فالقرآنُ الكريم كلِّيُّ هذه الشريعة، والرسول صلى الله عليه وسلم مُبينٌ بسُنَّتِه لجزئيَّاتها. فما ورَدَ في القرآن الكريم من الآيات مجملاً أو مُطلقاً أو عاماً، فإن السنَّة النبوية، القوليَّة منها أو الفعلية تقومُ ببيانها، فتُقَيِّدُ مُطْلَقَها، وتُخصِّصُ عامَّها، وتُفسِّرُ مُجمَلَها، ولذا كان أثَرُها عظيماً في إظهارِ المُراد من الكتاب، وإزالةِ ما قد يَقَعُ في فَهْمِه من خلافٍ أو شُبْهَة.
وقد أنعمَ الله تعالى على هذه الأمَّة الإسلامية بأن فَيَّضَ لها في القرون الأولى المشهود لها بالفضل نُخْبَةً ممتازة، وصَفوةً مُختارة، نَدَبَت أنفُسَها لخدمة السنَّةِ النبوية المطهَّرة، ولَمِّ شَتَاتِها، فكان من أثرِ ذلك تدوينُ المؤلّفات الضخمة العديدة التي ضمّت فيها تراث نبيِّنا الكريم.
والكتاب الذي بين يدي القارئ وهو أحدُ تلك المؤلفات العظيمة، تأليف الإمام أبي السعادات مجد الدين المبارك بن محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، ثم المَوْصِلي المعروف بابن الأثير، من رجال القرن السادس الهجري.
وقد عمد فيه المؤلف إلى الأحاديث التي وَعَتْها الأصول الستة المعتمدةُ عند الفقهاء والمحدِّثين - الموطأ، والبخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، التي حوَتْ معظَمَ ما صحَّ عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم فجمَعَها وأدمَجَها كلَّها في مؤلفٍ واحد بعد أن رتَّبَها وهذَّبَها وذلَّل صِعابَها، وقرَّب نفعَها، وافتتحه بمقدّمةٍ إضافية، فصّل فيها الطريقة التي اتبعها في تصنيف الكتاب، وذكر جُلَّ قواعدِ مصطلح الحديث التي تَمسُّ الحاجة إلى معرفتها، وختَمَها بتراجم الأئمة الستة الذين جمع كتبَهم في تأليفه هذا، فجاء فذّاً في بابه، فكل من يقتنيه عن الأصول الستة يغنيه.
ولأهمية هذا الكتاب، اعتنى بتحقيقه الشيخ عبد القادر الأرناؤوط وساعده في ذلك آخرون، حيث قاموا بتصحيح النص وضبطه ومقابلته، وذكروا جملة نافعة من الفوائد المستنبطة من الأحاديث، كما خرّجوا الأحاديث وعلّقوا علمها إتماماً للفائدة.