إن الحديث النبويَّ الشريف هو المصدر الثاني للإسلام، فهو من أشرف العلوم وأجلِّها، وأنفعها وأبقاها ذِكراً، وأعظمها أثراً بعد علم القرآن الكريم.وقد عُنيت الأمَّة الإسلامية من لدن عصر الرسول صلى االله عليه وسلم بحفظ الأحاديث وروايتها، والإلتزام بها علماً وعملاً وسلوكاً...
إن الحديث النبويَّ الشريف هو المصدر الثاني للإسلام، فهو من أشرف العلوم وأجلِّها، وأنفعها وأبقاها ذِكراً، وأعظمها أثراً بعد علم القرآن الكريم. وقد عُنيت الأمَّة الإسلامية من لدن عصر الرسول صلى االله عليه وسلم بحفظ الأحاديث وروايتها، والإلتزام بها علماً وعملاً وسلوكاً وأخلاقاً، ثم عنيت بجمعها، وتدوينها في كتب الأحاديث كالصحاح، والسنن، والمسانيد، والمعاجم، والجوامع، والمشيخات، والأجزاء ونحوها.
وقد بذلَ علماءُ الحديث أقصى جهدهم في نشر الحديث النبويِّ وتعميمه بين الناس بالرواية والكتابة، وضحّوا بأغلى ما يملكون في سبيل الدِّفاع عنه، وقد دفهم ذلك إلى تأسيس بعض العلوم التي تساعد على معرفة درجة الاحاديث من الصِّحة والضَّعف، ومعرفة أحوال الرُّواة، مستعملين في ذلك أدقَّ وأحكمَ قواعد النَّقد العلمي الصحيح، الذي لم يُعرف في أيِّ أُمَّة من الأمم الأخرى.
وأول من صنَّف في هذا الفنِّ تصنيفاً علميّاً، وقعَّدَ قواعدَه وأصَّلَ أصولَه هو القاضي أبو محمدٍ الرَّامَهُرْمُزيُّ (ت: 360هـ)، في كتابه "المحدِّث الفاصِل بين الرَّاوي والواعي"، ولكنه لم يستوعِب جميعَ أبحاثِ هذا الفنِّ.
ثم جاء الحافظ الفيه تقيُّ الدين أبو عمرو عثمان بن الصَّلاح عبد الرحمن الشَّهْرَزُورِيُّ نزيلُ دمشق (ت: 643هـ)؛ فصنَّف كتابه "علوم الحديث" المشهور بـ: "مقدمة ابن الصِّلاح"، فاعتنى بتصانيف الخطيب المفرَّقة، فجمعَ شتاتَ مقاصدِها، وضمَّ إليها من غيرها نُخَبَ فوائدها، فاجتمع في كتابه ما تفرَّق في غيره؛ فلهذا عكفَ الناسُ عليه، وساروا بسيره، فلا يُحصى كم ناظمٍ له ومختصر، ومستدرِكٍ عليه ومقتصر، ومُعارِضٍ له ومُنتصِر.
فممّن نَظَم هذه "المقدمة" الحافظ زين الدِّين أبو الفضل عبد الرحيم العراقي (ت: 806هـ)، في الفية، وزاد على ابن الصلاح أموراً كثيرة، ثم جاء السيوطيُّ فنَظَم ألفيةً استدرَكَ فيها الكثير على العراقي، وزاد إضافات كثيرة عليها، كما سبق وأن ذكرت؛ فإن تعد "ألفية السيوطي" من أوسع المنظومات وأشملها في هذا الفن؛ لذا اهتمَّ بها الكثير من العلماء بالشرح والتوضيح، ممّن شرح هذه الألفية: "جلال الدين السيوطي نفسه، فقد شرح ألفيته في كتاب سمَّاه "البحر الذي زخر شرح ألفية أهل الأثر" ولم يكمله"، "شرح الشيخ أحمد شاكر - وهو مطبوع، وقد استفدنا من بعض تعليقاته"، "شرح الشيخ محيي الدين عبد الحميد - مطبوع"، "شرح الشيخ علي بن آدم الإثيوبي المسمَّى "إسعاف ذوي الوطر بشرح نظم الدرر في علم الأثر" - وهو مطبوع"، "منهج ذوي النظر في شرح منظومة علم الأثر" للشيخ محمد محفوظ الترمسي، وهو الكتاب الذي بين أيدينا.
ولأهمية هذا الشرخ، اعتنى بتحقيقه الأستاذ محمد مرابي معتمداً على نسخة مخطوطة، ونسخة مطبوعة، كما خرّج الأحاديث والآثار، وترجم للناظم والشارح ترجمة موجزة وافية، وضبط الكلمات الضرورية التي قد تشكل على القارئ، وكما وضع للكتاب فهارس علمية.