تعتبر سورة الكهف من السور القرآنية الفريدة، التي تحتوي على أكبر مادة وأغزرها فيما يتصل بفتن العهد الأخير التي يتزعمها الدجّال، ويتولى كبرها، ويحمل رايتها، وتحتوي على أكبر مقدار من الترياق الذي يدفع سموم الدجّال ويبرى منها، وأن من يتشرب معاني هذه السورة ويمتلئ بها - وهي...
تعتبر سورة الكهف من السور القرآنية الفريدة، التي تحتوي على أكبر مادة وأغزرها فيما يتصل بفتن العهد الأخير التي يتزعمها الدجّال، ويتولى كبرها، ويحمل رايتها، وتحتوي على أكبر مقدار من الترياق الذي يدفع سموم الدجّال ويبرى منها، وأن من يتشرب معاني هذه السورة ويمتلئ بها - وهي نتيجة الحفظ والإكثار من القراءة في عامة الأحوال - يعتصم من هذه الفتنة المقيمة المقعدة للعالم، ويفلت من الوقوع في شباكها، وإن في هذه السورة الكريمة من التوجيهات والإرشادات، الأمثال والحكايات ما يبين الدجّال ويشخصه في كل زمان ومكان، وما يوضّح الأساس الذي تقوم على نتشه ودعوته، وتهيء العقول والنفوس لمحاربة هذه الفتنة ومقاومتها، والتمرّد عليها، وأن فيها روحاً تعارض التدجيل وزعماؤه، ومنهج تفكيرهم، وخطّة حياتهم في وضوح وقوة. ويقول العلاّمة الندوي أنه وعندما أقبل على دراسة هذه السورة الكريمة وحِدها زاخرة بالمعاني والحقائق، ووحد السورة كلها خاضعة لموضوع واحد، يمكن أن يسميه "بين الإيمان والمادية" أو "بين القوة المصرِّفة لهذا الكون (هو الله تعالى) وبين الطبيعة أو الأسباب"، كما وجد جميع الإشارات أو الحكايات، أو المواعظ والأمثال كلها دائرة حول هذا المعنى، تشير إليه من طريق جليّ، أو تنظر إليه من طرف خفي، مضيفاً بأنه انكشف له جانباً جديد من إعجاز القرآن الكريم، ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم، إذ لم يكن يعرف أن هذا الكتاب الذي نزل في القرن السادس المسيحي، ويحمل صورة صادقة ناطقة بهذه المدينة الداخلة التي تولّدت في القرن السابع عشر المسيحي، واختمرت في القرن العشرين، ويصور نهايتها وأوجها، وزعيمها الأعظم الذي يسميه لسان النبوة في إعجاز وإيجاز بــ "الدجال"، وفاض على قلمه بعض هذه المعاني، والتمهيد لتفسير هذه السورة بالإجمال وقد كان قد شغل وظيفة معلم التفسير في دار العلوم ندوة العلماء، هذا التمهيد الذي نشره في مجلة "ترجمان القرآن" لصاحبها ورئيس تحريرها أبو الأعلى المودودي، التي كانت تصدر من حيدر آبادخي ذلك الحين.
وقد لاقت هذه المقالة التشجيع والقبول، من خلال حديثها عن هذه السورة العظيمة، وصلتها بالعهد الأخير، وفتنته دعواته، وإتجاهاته، وتابع مقالاته في هذا السياق والتي تم نشرها في مجلة "المسلمون" ضمن سلسلة مقالات جاءت تحت عنوان "تأملات في سورة الكهف" تم نشرها تباعاً في عام 1377هـ - 1978م (المجلّد السادس، عدد (1)، (2)، (3)، (4)، وحظيت بالعناية والإعجاب في الأوساط العلمية الدينية، ولعلها كانت باعثة لكثيرة من القرّاء على دراسة هذه السورة الكريمة والتأمل فيها من جديد، والإقتناع أن بينها وبين فتن هذا العصر، والقدرة على مقاومتها صلة قوية عظيمة وظلّت هذه المقالات دفينة مطمورة في مجلّدات المجلة، لا يتسع وقت الكاتب لتنقيحها والزيادة فيها، ولنشرها في كتاب، حتى وجدّت حوادث في العالمين العربي والإسلامي، ورأى المؤلف إفتتان العقول والنفوس بالمادية، وسرعة إيمانها بكل دعوة برعت وفاقت في التدجيل والتلبيس، ورأى قصة الصراع بين الإيمان والمادية وقد تمثّل على مسرح العالم بصفة خاصة، هذا ما شكل حافزاً لدى العلامة الندوي لنشر هذه السلسلة، كما جدّت له في هذه المدة دراسات وتأملات، وتفتحت له منافذ جديدة، وجوانب عديدة في التدبر في معاني هذه السور، فتناول هذه المقالات بالتحرير والزيادة، وضمّ إليها مواد جديدة، وبحوثاً مقارنة في قصة أصحاب الكهف وذي القرنين، مما أغنى سلسلة تلك المقالات وأضاف إليها قيمة علمية، ومما زاد في منفعتها وفائدتها نشرها في هذا الكتاب علّ هذا يحيل الباحثين على الدراسات المقارنة، وإثبات إعجاز القرآن الكريم، وهدايته للإنسان في كل زمان ومكان، وعلى جميع المستويات الإجتماعية والثقافية والدينية.