-
/ عربي / USD
تبدأ ملحمة كلكامش بـ "هو الذي رأى.." دون مسمّى، ولكنّ الرواية ينعته بأنه كلّيّ المعرفة Omniprescient.
المفارقة إنّ الضمير "هو" معرّف لغة ولكنه هنا مجهول بمثابة اسم نكرة، وكلما أمعن الراوي في إضفاء الصفات على ذلك الــ "هو" إزداد الموصوف غموضاً، وإلغازاً، وقتئذٍ تستنفر الحواس بفضول وترقب، مَنْ ذا يكون هذا الــ "هو"؟.
كانت تلك التسبيحة بمثابة جوقة موسيقية تسبق عادة مواكب الملوك، راح الرواية يمعن في إثارة فضولنا كقراء أو مستمعين، فأغدق صفات إلهية عليه، وبهذه الحيلة الفنية الحاذقة زاد من فضولنا، وفي الوقت نفسه أبعدنا هيبة وجلالاً عن ذلك المجهول الذي يتمتع بكل ما هو خارق...
قال عنه الراوي مثلاً: "إنه رأى كل شيء... خبر كل شيء... وهو عارف بكل شيء... بما فيها الأسرار، وأنباء ما قبل الطوفان...".
يمعن الراوية وكأنّ بمثل، في سرد المعجزات: حباه إلإله شمش، إله العدل والشرائع، بالحسن وخصّه الإله أدد، إله الرعود والعواصف والأمطار، بالبطولة، تمعنت الآلهة الأخرى به فجعلته صورة كاملة..
كذا إذن، فهذا أوّل مخلوق، كما يبدو، على وجه البسيطة، وله أكثر من خالق.! مَن يكون هذا غير. كلكامش ذي الجبروت والطغيان! لكن نسيت الآلهة أن تركّب في صدره الضخم قلباً يرقّ أو يرحم، قال الراوية، "لم يترك آبناً لأبيه، ولا عذراء لحبيبها، ولا آبنة المقاتل، ولا خطيبة البطل...".
مع ذلك فالدموع في ملحمة كلكامش، لا سيّما دموع كلكامش طراز خاص لا مثيل له على ما يبدو.
قيّم هذا الكتاب
هل استخدمت هذا المنتج من قبل؟
لا توجد أي مراجعات بعد