-
/ عربي / USD
في كلّ سيرةٍ ذاتيّة ملمح روائيّ، وفي كلّ كتابة روائيّة طيف سيرةٍ ذاتيّة، جمع د. فهمي جدعان، في سيرته الذاتيّة "طائر التمّ"، بين الرواية والسيرة، وأنتج سيرةً روائيّةٍ بصبغة الجمع احتضنَت تعدّدّية زمنيّةً واضحة المفاصل استُهلّت بـ "النكبة"، وتابعَت تحوّلات عالم عربيّ طويل الإحتضار، ورصدت أقدار "لاجئ" يلبّي إِرادته ولا ينصاع لأحدٍ؛ رسمَت تعدّديّة مكانيّةً وجوهُها مدنٌ غير متساوية، ومراكز علميّةٌ رفيعة المقام، وجامعاتٌ عربيّة وعالميّة بينها حوارٌ لا تكافؤ فيه.
تتكشّف "طائر التمّ" عن ذاكرةٍ واسعةٍ احتفظَت بجروح الزمان وبمتواليات من طلّاب ومفكرين شهيرين عرب وغير عرب، تعاملَت معهم السيرة بمعيار الكّيف الأخلاقيّ والنزاهة الثقافيّة والإِنصاف الّذي لا زوغَ فيه بعيداً عن نرجسيّات مكتنزة تذوب إذا أشرقت الشمس.
سرد فهمي ما تعلَمه من الحياة، وما اختبره في ظروف الشقاء وخرج منتصراً، وأرسل تحيّةً مبللةً بالدموع إلى قريته الفلسطينيّة البعيدة: عين الغزال.
أنجز سيرةً ذاتيّة يتكامل فيها الأدبيّ والفلسفيّ ببلاغة مركّبة مجلاها نثر مقتصد متعدّد المراجع، نسجها بمتواليات حكائيّة متحاورة توسّطها "لاجئ" غداً علماً ثقافيّاً متطوّر المعرفة، يفيض على العالم العربيّ وجامعاته.
انتهى جدعان إِلى سيرةٍ ذاتيّة أقرب إِلى الفرادة والندرة، تُمتعِ الروح والعقل، لا نعثر على نظير عربيّ لها إِلا صدفةً. - فيصل درَاج
هذه السيرة ليست مجرّد سجلٌ خاصّ لصاحبها، بل هي، في موازاة ذلك، سجل عامّ للذات الجمعيّة الفلسطينيّة، الّتي تشبه طيور التمّ في هجراتها الطويلة المضنية وصمتِها على الألم وقدرتِها العظيمة على التحليق؛ ولذا فإِنّ كلّ تلك الآلام، الّتي رصدها د. فهمي جدعان في هذه السيرة، لم تجعل منها سيرةَ "ضحيّةٍ" كما يُفترَض، بل حوّلتها إلى أمثولة تراجيديّةٍ يواجه فيها البطل أقداره بعنادٍ، دون أن يكل أو ييأس أو يعبأ بالنصر أو الهزيمة.
وهي سيرةٌ مغايرة، لا لأنّها ترصد "تغريبة" الجسد الفلسطينيّ وبعثرته خارج المكان فقط، بل لأنّها ترصد أيضاً حركة وعي مقاوم لم يتبعثر، ولم يغترب، ولم تنَل منهُ "النكبّة"، وهذا ما يجعلها نقيضاً فعليّاً لمعنى البعثرة الذي تحفل به النصوص السيريّة الفلسطينيّة.
وأكثر ما شدّني في "طائر التمّ"، بالإضافة إِلى لذتها الأدبيّة، تلك اللغة الجسورة المسنّنة التي لا تهادن ولا تراوغ ولا تمرّ على الأشياء مروراً آمناً، بل تخمشِ وتنكأ وتحفر وتخزُ وتتركُ علاماتها على كل شيء.
إنّ أكثر ما يحتاج إليه كاتب السيرة هو تلك الجسارة الّتي تؤهّله لا للنظر إلى الخلف فقط، والتحوّل على إِثر ذلك إِلى عمودٍ من الملح، بل للتحديق الشرس في عتمات الذات والعالم، والإجتراء على الرؤية؛ وتلك إِحدى أجمل صفات هذه السيرة.
قيّم هذا الكتاب
هل استخدمت هذا المنتج من قبل؟
لا توجد أي مراجعات بعد