ينتمي إلى الانشغالات القليلة للعرب قبل النبي محمد، والتي يمكن أن يسميها المرء علمية، دراسة مشجرات أنسابهم. بهذه المشجرات ارتبطت، بأسماء رجال مشهورين، ذكرى أحداث تاريخية وفّرت للحكواتية المادّة لحكاياتهم الليلية المسليّة، وبهذه الطريقة وصلتنا كِسرات من التاريخ قبل الإسلامي. ومن هذه المشجرات يقرأ العرب أنسابهم وتفتخر القبائل بأجدادها من المشاهير، ويفتخر أفراد القبيلة بانتمائهم إلى قبيلة قوية ومشهورة. وبين معاصري النبي محمد يوجد بعض الرجال الذين يعدّون خبراء بشكل خاص في علم الأنساب، منهم، على سبيل المثال، الخليفة أبو بكر.. ثمّ عقيل بن أبي طالب، أخو الخليفة علي بن أبي طالب؛ دغفل بن حنظلة السدوسي ؛ وقا بن الأشعر؛ عبد الله ابن الكوّا؛ زيد ابن الكيّس،. وفي القرن الثاني الهجري عاش كلّ من قتادة بن ديامة ومجاهد بن سعيد ، ومحمد الكلبي ، وأبو البختري وهب، المتوفى سنة 200 الذي يُقال عنه إنّه أوّل من كتب خطياً شيئاً عن علم الأنساب وذلك في كتاب عن نسب خلف إسماعيل. وهناك معاصر له، إلّا أنّه توفي في مطلع القرن الثالث، في سنة 204، هو هشام الكلبي الذي يعدّ أشهر عالم أنساب عند العرب، يأتي بعد هشام، من الناحية الزمنية ومن ناحية المكانة، محمد بن حبيب، المتوفى سنة 245، الذي يسمّيه ابن خلكان («النسابة») عالم الأنساب، ويسمّيه هبشي خلفة في عدة مواقع «النحوي»..
في هذا الكتاب جمع المؤلف أسماء القبائل العربية المتماثلة أو المتشابهة في الكتابة واللفظ، وبيّن بإضافة الأنساب المختلفة كيف يمكن التمييز بينها، على سبيل المثال في اللقب الأصلي الأوّل حُدان في اللفظ لقبيلة «الأزد»، بالمقابل «حَدّان» لقبيلة تميم؛ جدان في قبيلة ربيعة؛ خدان في أسد بن خزيمة؛ وحُدَان أو حَدَان في قبيلة حمدان. يبلغ عدد هذه الألقاب الأصلية ما يقرب من مائتين، منها حوالي ثلاثمائة اسم من الأسماء الواردة في الجدول المرتب أبجدياً، مختلفة، ويبلغ عدد سلاسل الأنساب الواردة فيه نحو ستمائة؛ لكن هذه السلاسل متداخلة فيما بينها بحيث يمكن أن يستخرج منها سلسلة نسب كاملة نسبياً وواضحة.
عن المؤلف محمد بن حبيب أبي جعفر الهاشمي غير معروف أي شيء سوى أنّ «حبيب» لم يكن اسم أبيه وإنّما اسم أمّه ، وأنّه قد توفي، على أرجح الظن، في بغداد سنة 245 (859)، واشتهر بأنّه كان لغوياً بارعاً ومؤلفاً موثوقاً. ولقد أثبت هذا في هذا الكتيّب أيضاً الذي جمع فيه الأسماء المتماثلة أو المتشابهة في الكتابة واللفظ للقبائل العربية. ثمّ ميّز بعضها عن بعض بإضافة الأنساب المختلفة. وأضاف المقريزي، في كثير من الأحيان، التسمية الدقيقة للأحرف وكتب عنها على صفحة العنوان ملاحظة تفيد أنّ المرء يستطيع الثقة بها: أكثر ما فيه من الضبط بالحروف ليس من الأصل لكنه معتمد فثِقْ به. كما أنّ غالبية الأسماء مشكّلة (مضبوطة بالحركات) وحيثما أضفت أنا هنا وهناك بعض الحركات حدث هذا أيضاً بناء على معلومات موثوقة. وهناك موضعان تركهما المقريزي فارغين، أحدهما في الملاحظة 2 في الصفحة 43، والآخر في النص ص 47 السطر 11، لم أتمكن من إكمالهما، ولكنني أرجّح أنّ المؤلف قد أخطأ في الموضع الأخير، حيث ليس «في عبد القيس» وإنّما «في قيس» يرد اسم «وأيلة» بحيث يجب أن يكون النص كما يلي: وفي قيس وأيلة بن ظرب بن عباد بن عمرو بن بكر بن يشكر كما أنّني في إحدى المرات لم أعتمد ملاحظة المقريزي لأنّني أرى أنّها خاطئة؛ فهو يكتب في الصفحة 26 السطر 12 كتصحيح على الهامش وأَبْدِى بكسر الدال، بينما طريقة القراءة في النص مدعومة في القاموس ص 1846. وفي بعض الحالات، حيث ترد انحرافات عن الأنساب الأخرى، يكون الحق إلى جانب ابن حبيب، أو أنّ المسائل تكون موضع خلاف مطلق