-
/ عربي / USD
وبعدُ فإنَّ مختصر تاريخ الدول لأبي الفرج الملطي قد جمع أخبار الأيام مع بلاغة في اختصار. وامتاز على جميع التواريخ بما يكثر سواد المقبلين عليه. ويوحي إلى القلوب الاطمئنان إليه. فقد خلا عن كل ما لا يُحفَل به ولا عائدة منه. وقد كان مؤلفه واسع الاطلاع، متقناً لكثير من العلوم واللغات، معروفاً بالبحث عن غَثِّ الأخبار وسمينها، فروى كل ما روى عن خبرة وذكره على الهيئة التي وقعت. فكأنَّه أخذ صور الوقائع والسِّيَر والتراجم على ضياء الشمس لا رسْم القلم.
وقد طُبع هذا التاريخ لأول مرة سنة 1663م في مدينة أُكسفورد بالعربية واللاتينية بمراجعة العلَّامة پوكوك. ثم ترجمه بوِّر إلى الألمانية سنة 1783م. إلَّا أنَّه قد عزَّ الآن وجود الطبعة الأولى. فاستفزَّتنا محبة هذه البلاد إلى إعادة طبع هذا التاريخ. فقابلنا النسخة التي في أيدينا بنسخة تكرَّم بإعارتنا إيَّاها العلَّامة رُسْت مدير مكتبة إنديا أُفسِّس في لندن. وقد عنينا أيضاً بمقابلة قسم كبير من الكتاب بنسختَي أكسفورد ونسختَي المتحف البريطاني (بريتيش موزيوم) والنسخ الثلاث التي في باريس الوطنية. فتسنَّى لنا أن نكمل ما كان من النقص في النسخة المطبوعة في أكفسورد. ثم إنَّنا لم نأل جهداً في مطالعة التواريخ الإسلامية التي كتبت هذه الوقائع مثل تاريخ الطبري والكامل لابن الأثير وتاريخ أبي الفداء وتاريخ ابن خلدون ومروج الذهب للمسعودي والآداب السلطانية للفخري وتاريخ الخميس وغيرها. ثم عارضنا هذا المختصر العربي بالمطوّل السرياني لأبي الفرج نفسه وبكتب أُخَر. وقد علقنا في الذيل ما استصوبناه بعد جهد البحث وتكرار المقابلة. ولتسهيل المطالعة أردفنا الكتاب بفهرس مرتب على حروف المعجم يشمل كل أسامي الأعلام والأمكنة التي ورد ذكرها في الكتاب. هذا ونسأل الله أن يأخذ بيدنا لنخدم الحق والعلم في هذه الآفاق خدمة صادقة يشهد لها حسن الأثر لا خدمة ينادي بها اللِّسان. ويشهد بمين صاحبها الزمان. والله يوفق كل من ينوي في العمل وجهه الكريم، ويتَّجه إليه بقلبٍ سليم. هو غريغوريوس أبو الفرج بن أهرون المعروف بابن العبري ولد سنة 1226 للمسيح. وكانت ولادته في مدينة ملَطية قاعدة أرمينية الصغرى. وكان أبوه وجيهاً في قومه نافذ الكلمة في أهل بلده كريماً على عشيرته. فلما آنس من غريغوريوس حذقاً ورأى منه ذكاءً وفهماً دفعه من صغره إلى تلقِّي الآداب والتخرُّج في العلوم التي كانت لأهل ذلك العصر. فجد الولد في الحفظ وأقبل على ارتشاف سلافة العلم فدرس أوَّلاً اليونانية والسريانية والعربية، ثم اشتغل بالفلسفة واللاهوت وقرأ الطب على أبيه وغيره من مشاهير أطباء زمانه. إلَّا أنَّه بينما كان عاكفاً على التحصيل جادّاً في الطب انثالت المصائب على بلاده انثيالاً، وأُفرغت النوائب إفراغاً، وتعاقب عليها الخراب من جانب المسلمين والفرنج والروم، ثم من التاتار المغول الذين أسرفوا في القتل والنهب والسبي والحريق حتى لم يُسمع في التاريخ عن جهة من الأرض أنَّها أصيبت بمثل ما نزل بهذه البلاد من المخاوف والجوائح والمقاتل. وعندها فرّ به والده إلى أنطاكية وكان ذلك سنة 1243م فاختار أبو الفرج هنالك طريقة الزهد والنسك وانفرد في مغارة بالبرية. فلما انتهى خبر فضله إلى أغناطيوس سابا بطريرك شيعته خفّ لزيارته في تلك المغارة وأبدى له غاية التجلة والتكريم. ولم يلبث غريغوريوس برهة في المغارة المشار إليها حتى شخص إلى طرابلس الشام وأكمل قراءة البيان والطب مع رفيق له يُسمَّى صليبا وجيه على عالم اسمه يعقوب من مذهب النساطرة. وبعدُ فهذا مختصر في الدول قصدت في اختصاره الاقتصارَ على بعض ما أُوتي في ذكره اقتصاصُ إحدى فائدتَي الترغيب والترهيب من أمور الحكَّام والحكماء خيرها وشرِّها على سبيل الالتقاط من الكتب الموضوعة في هذا الفن بلغات مختلفة سريانية وعربية وغيرها مبتدئاً من أوَّل الخليقة ومنتهياً إلى زماننا. وهو مرتَّب على عشر دول داولها الله تعالى بين الأُمم فتداولتها تداولاً بعد تداول. الدولة الأولى: دولة الأولياء من آدم أوَّل البرنساء[1][1] أي الناس. الدولة الثانية: الدولة المنتقلة من الأولياء إلى القضاء قضاة بني إسرائيل. الدولة الثالثة: الدولة المنتقلة من قضاة بني إسرائيل إلى ملوكهم. الدولة الرابعة: الدولة المنتقلة من ملوك بني إسرائيل إلى ملوك الكلدانيين. الدولة الخامسة: الدولة المنتقلة من ملوك الكلدانيين إلى ملوك المجوس. الدولة السادسة: الدولة المنتقلة من ملوك المجوس إلى ملوك اليونانيين الوثنيين. الدولة السابعة: الدولة المنتقلة من ملوك اليونانيين الوثنيين إلى ملوك الإفرنج[2][2]. الدولة الثامنة: الدولة المنتقلة من ملوك الإفرنج إلى ملوك اليونانيين المتنصّرين. الدولة التاسعة: الدولة المنتقلة من ملوك اليونانيين المتنصرين إلى ملوك العرب المسلمين. الدولة العاشرة: الدولة المنتقلة من ملوك العرب المسلمين إلى ملوك المغول.
قيّم هذا الكتاب
هل استخدمت هذا المنتج من قبل؟
لا توجد أي مراجعات بعد