-
/ عربي / USD
القرآن هو حسب العقيدة الإسلامية كلام الله الأزلي الذي أوحى به الله للنبي محمَّد للعرب ولجميع المسلمين باللغة العربية - «قرآنٌ عربيّ» حسبما جاء مراراً في الكتاب المقدَّس. كتاب يُعدُّ دليلاً للقادمين ونموذجاً أدبياً رائعاً لِكُلّ من يكتب باللغة العربية في المستقبل، كما ويُعَدُّ تذكيراً بما كان، بالعصور الماضية، كتاب يعرض التاريخ المقدَّس لليهود ولغيرهم من الدِّيانات والحضارات السابقة كما في موشور ساطع الألوان. وهذا لا يُثير الدهشة لأنَّ الجزيرة العربية لم تكن في عهد محمَّد بأيِّ حال صحراء قاحلة لا ثقافة فيها، وإنَّما معبر وملتقى لديانات وثقافات عظيمة مغرقة في القِدم: فقد ترك الفرس والبيزنطيون آثارهم هناك، وأيضاً ممالك عربية قديمة ذات أهمية حضارية كبيرة كانت قد قامت هناك.
ولما بدأ محمَّد الدعوة في مكَّة كانت الإمبراطوريتان العالميتان المجاورتان فارس وبيزنطة ما زالتا موجودتين مع الدويلتين التابعتين لهما، دويلة اللخميِّين التابعة لفارس وعاصمتها الحيرة في العراق، ودويلة الغساسنة التابعة لبيزنطة وعاصمتها الجابية في سوريا على بعد 80 كليومتراً جنوب دمشق. ولم يكن أحد يتوقع آنذاك أنَّ هاتين الإمبراطوريتين ستسقطان نتيجة لدعوة ذلك النبي الناشط في الحجاز البعيدة، على يد جيوشه المظفرة - فارس والدويلتان المذكورتان عمَّا قريب وبيزنطة بعد حروب دفاعية استمرَّت عدَّة قرون ووجدت نهايتها باحتلال العثمانيِّين للقسطنطينية سنة 1453م.
وضعت الأُسس لفتوحات واسعة النطاق خلال العقود والقرون التالية كانت بدورها البوتقة التي انصهرت فيها الثقافات ونجمت عنها الإنجازات العظيمة المعمارية والفنية والعلمية والأدبية للشعوب الإسلامية. لكن محمَّداً لم يستعمل القُوَّة فقط للجهاد «في سبيل الله» بل وضع أيضاً حدوداً لاستعمال القُوَّة، وقبل كُلّ شيء قواعد عملية لتعايش الشعوب مع بعضها بسلام، وبالتحديد ليس فقط المسلمون وإنَّما أيضاً من يُسمّون أهل الذمَّة أي الديانات التوحيدية الأُخرى من أهل الكتاب حيث أعطاهم الحقّ في البقاء والعيش المشترك مع المسلمين. صحيح أنَّ هذا لم يكن يعني المساواة الكاملة، لكنَّه مكَّن من العيش المشترك المثمر لأتباع ثقافات مختلفة، الأمر الذي لم يزل موجوداً حتى اليوم في المدن الإسلامية.
وعن طريق ترجمة مئات الكُتب العلمية من اللغة الإغريقية حصل الفكر العلماني العقلاني على دفع هائل. فقد تُرجم فلاسفة كبار وأطبَّاء وعلماء طبيعة، بينما لم يلق الشعر الإغريقي أيّ اهتمام إمَّا بسبب طابعه الوثني أو لأنَّه كان صعباً على المترجمين. شكَّلت هذه الترجمات الأساس لازدهار الحياة العلمية في العالم العربي: كانت الفلسفة العربية تتحرَّك حتى انصهارها في الصوفية واللاهوت على خطى أرسطو.
شجَّع الاتساع الهائل للدولة الإسلامية على السفر والترحال وتطوَّرت التجارة بين المناطق البعيدة. ووصل بعض الرحَّالة، إمَّا عن طريق البحر، إلى ماليزيا وأندونيسيا، أو عبر طريق الحرير إلى الصين، ووصل آخرون إلى قلب أوروبا، إلى وسط وشرق ألمانيا وإلى بولونيا، أو عبر إيران وتركمانستان إلى بحر آرال الصين.
قيّم هذا الكتاب
هل استخدمت هذا المنتج من قبل؟
لا توجد أي مراجعات بعد