-
/ عربي / USD
قد لا يتخيل القارئ ان رواية على لسان رجل مُسن ينحدر بسرعة نحو الفناء، عازفاً عن أي قدر من التشبّث بالحياة، يمكن أن تكون على هذا القدر من الحساسية والدرامية فتجسّد حقبة زمنية كاملة هي حقبة الحرب اللبنانية، في عمق تأثيرها على فرد عابر، بتاريخه ومصيره وأسرته جميعاً. هذا على رغم ان القارئ لا يكاد يلحظ الحرب أو يستمع الى ضجيجها، بل يدرك قوة هيمنتها على مصائر البشر مُمثلين بأسرة فلاحية تتوارث زراعة أرض قاسية، وتورث أجيالها عُتمة البصر.
ولكن، على رغم تكرار المصائر من الجد الى الأب الى البطل، الى إبنه الشاب، فإن الحرب تأتي لتقطع السياق فتحول دون أن يموت البطل في مزرعته كما فعل أسلافه، ومن دون أن يرث أبناؤه مهنة الفلاحة، فالأرض أساساً أصبحت ذكرى بعيدة.
تصنع الكاتبة المشهد الروائي من دقة ووفرة التفاصيل: المحسوس، المتجلي، الحوار، الحدث اليومي، وأي منها يصبح منطلقاً لاستعادة الماضي من دون ترتيب زمني حتى تستكمل الكاتبة ماضي البطل منذ طفولته عن طريق انتقالات مرنة استدراكية مُدمجة بالحاضر، كما هو الخيار المفضل لاستعادة الماضي في الرواية الحديثة.
إن أجمل ما يميز هذه الرواية قدرة الكاتبة على جعل حياة بسيطة لإنسان بسيط، ذات قدرة على كشف فعل ضخم وهائل مثل فعل الحرب، مضروباً في زمن ومصائر وأماكن، متمخضاً عن ناتج مصائر بشرية عاجزة عن عبثيتها...
في رواية "العابر" تهيمن الحرب، وهي تختزل مصائر البشر وتنعطف بها عن الايقاع الرتيب الثابت لموروث أسلافهم.
قيّم هذا الكتاب
هل استخدمت هذا المنتج من قبل؟
لا توجد أي مراجعات بعد