-
/ عربي / USD
قبل خمسمئة عام، خبر الناس البحر بشكل مختلف، فقد كانت شواطئه سواحل يسودها الجوع، أقفرت في وقت مبكر من الأشجار والتربة، بسبب الرجال والمعز.
وفي القرن الرابع عشر، قدمت جزيرة كويت لدانتي صورة عن الخراب البيئي، فقد كتب: "وسط البحر تقبع أرض قاحلة، كانت فيما مضى تعرف السعادة بما فيها من ماء وحضر، في حين أصبحت الآن صحراء"، والبحر أيضاً عاقر.
وكان البحر الأبيض المتوسط قد تشكل من مجموعة إنهيارات جيولوجية دراماتيكية بحيث إن المياه الخلابة الشفافة عند أطرافه تغوص إلى أعماق قصوى تصلح فقط للغواصات، وما من منصّات أوروبية لتضاهي مناطق الصيد الغنية في نيوفاوندلافد أو بحر الشمال، ولأولئك الذين كانوا يعيشون عند الشواطئ، فإن ملايين الأميال المربعة من المياه مقسمة إلى عشرات المناطق المفصلة: لكل واحدة منها رياحها الخاصة بها، وتعرجاتها الساحلية، وجزرها المبعثرة.
وكانت هذه المياه شاسعة، ومستعصية، وخطرة في آنٍ واحد، وكبيرة جداً إلى درجة أن تصفى البحر الأبيض المتوسط شكلاً عالمين مختلفين تماماً، وقد تطلب الأمر شهرين من سفينة مبحرة للقيام برحلة من مرسيليا إلى كريت في مناخ جيد، وسنة أشهر في مكان سيء.
كانت السفن غير صالحة للإبحار، كانت العواصف مفاجئة وغادرة، ولكثرة القراصنة؛ كان البحارة عموماً يفضّلون التجول حول الأطراف الساحلية بدل عبور المياه المفتوحة، حيث يتربص الخطر بالسفن: فما من شخص عاقل سيتجرأ على صعود درج السفينة من دون تسليم روحه للخالق، كان البحر الأبيض المتوسط بحراً تكتنفه المتاعب، وبعد عام 1453، أصبح مركزاً لحروب ذلك العالم.
قيّم هذا الكتاب
هل استخدمت هذا المنتج من قبل؟
لا توجد أي مراجعات بعد