-
/ عربي / USD
"إن للحزن إلى السير على الأفواه فقرا، حررته، من بعد حبس، كان شعرا. في الشعر تحكى الحياة والنفس والنزعات، والشعر منه كتاب آياته بينات. ومنه ما رقّ حتى كأنه عبرات، أما قريضي هذا فإنه نفتات. شعر له من شعوري والصدق، مستندات. وإنما صقلته الخطوب والنكبات، تمده كلما غاض. دجلة والفرات". الزهاء وعي في شعره هو مفكر يعبر بالشعر أكثر من هو شاعر يعبر بالفكر. كان النهوض شاغله الأساس، وكان العلم، في رأيه، الطريق الوحيدة لتحقيقه. ولهذا حرص، واعياً، على أن يقدم في شعره "أفكاراً" وينقل حقائق علمية. هذا الحرص الداعي أدى إلى تعرية سفره من الأخيلة والصور، ومن الموسيقى وتشكلاتها النغمية، فهذه كلها تكاد أن تكون غائبة عن شعره غياباً تاماً. ومن هنا يمكن القول بأن قيمة قصيدته تكمن حصراً، في قيمة الأفكار التي تقدمها.
صحيح أنه تبنى، فكرياً، اتجاهاً متقدماً، سواء على صعيد العلم أو صعيد العادات والمعتقدات الفكرية والدينية في الماضي، أي أنه بعبارة ثانية، كان جديداً في مضمونه، لكن من الصحيح أيضاً أنه ظل قديماً في شكله، ذلك أن الشعر ظل معه مجرد أداة أو وسيلة لنقل الأفكار، مع فارق واحد لا يغير من الأمر شيئاً: بدلاً من أن يكون الشعر أداة لنقل "الدين" أو "التقاليد" أو "الأخلاق" أو "الفلسفة"، شأنه في الماضي، أصبح معه ينقل العلم وكشوفه وحقائقه ومن هنا، لكي نعرف مكانته ودوره، لا يصح أن ننظر إلى شعره وشعر الذين يسيرون في هذا الاتجاه، بمعيارية الصنيع الشعري-الجمالي. فالحق أن هذا الشعر لا يجد مكاناً أو هوية إلا في بيت "الحكمة المشرقية" انه شعر ومسرح للأفكار، ونتاج الزهادي مشهد متميز على هذا المسرح الذي أوصله المعري، في تراثنا، وعلى نحو مغاير، إلى ذروة مدهشة.
قيّم هذا الكتاب
هل استخدمت هذا المنتج من قبل؟
لا توجد أي مراجعات بعد