تتوفر عدة مؤشرات إلى أن توسعاً ملحوظاً دخل على الطبقة الوسطى الحديثة في الضفة الغربية وقطاع غزة في عقد التسعينيات، وإلى أن عوامل كثيرة اجتمعت لتولد هذا التوسع، بعضها "خارجي" وبعضها "داخلي"، منها: حرب الخليج الثانية، اتفاق أوسلو، تشكيل أجهزة السلطة الفلسطينية ومؤسساتها،...
تتوفر عدة مؤشرات إلى أن توسعاً ملحوظاً دخل على الطبقة الوسطى الحديثة في الضفة الغربية وقطاع غزة في عقد التسعينيات، وإلى أن عوامل كثيرة اجتمعت لتولد هذا التوسع، بعضها "خارجي" وبعضها "داخلي"، منها: حرب الخليج الثانية، اتفاق أوسلو، تشكيل أجهزة السلطة الفلسطينية ومؤسساتها، التوسع في عدد منظمات غير حكومية مهنية ونشاطاتها، تنامي بعض فروع الاقتصاد الفلسطيني الحديثة. لكن نمو الطبقة الوسطى الحديثة لم يقتصر على اتساعها العددي ونمو حجمها النسبي فحسب، بل تجسد أيضاً في تحسن أوضاع معيشتها (من حيث مستوى الدخل والأمان والاستقرار الوظيفي وشروط العمل وأوضاعه)، مقارنة بالفئات العمالية وشرائح البورجوازية الصغيرة التقليدية، وهو نمو وتحسن ترافقاً مع بدء عملية تحول دولاني -وإن بقيت عملية قاصرة، بل تراجعت بفعل إجراءات الاحتلال الاستيطانية والعسكرية والأمنية والإدارية والاقتصادية في إثر الانتفاضة الثانية -أوجدت دوراً متباين الأهمية وفق شريحة الطبقة الوسطى ومجال نشاطها. ومن أسئلة الدراسة رؤية الطبقة الوسطى لدورها في الحقل السياسي الذي تشكل بعد قيام السلطة الوطنية.
ومن أسئلة الدراسة أيضاً محاولة تقويم فاعلية الحيز العام الذي شكلته فئات من الطبقة الوسطى الحديثة، سواء عبر منظمات المجتمع المدني (أحزاب واتحادات ومنظمات غير حكومية، بما في ذلك الجامعات أ, مجموعات ضغط)، أو عبر القطاع الخاص، باعتبار المجال العام الفضاء الذي تتم فيه صناعة رأي عام عبر المناقشة الحرة والعقلانية بهدف التأثير في السياسة الوطنية، أو لتوليد تغيير اجتماعي يخص، على سبيل المثال، قضايا المرأة أو مناهج التعليم، أو إدخال نصوص على مواد الدستور المقترح، أو قانون الانتخابات، أو وسائل الإعلام الحكومية، أو القضاء.
إن الدراسة المطروحة هنا هي مناقشة لأسئلة عن الطبقة الوسطى (وعبرها عن دور الطبقات الأخرى)، من دون ادعاء الوصول إلى أجوبة شافية. فالموضوعات المثارة ليست سهلة، كونها تتداخل مع بنى سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية في مجتمع على درجة عالية من الانكشاف والتهديد تطال الطبقات كافة، كما تطال السلطة والمعارضة والمجتمع المدني والقطاع الخاص. وقد يولد هذا تركيزاً للاهتمام فيما يتعلق بالمصير الوطني المهدد أو بما يشكل مصلحة وطنية جامعة. من هنا الحاجة، على سبيل المثال لا الحصر، إلى التدقيق في أوضاع الطبقات الاجتماعية كافة، وحالة التجزئة الجغرافية التي يفرضها الاحتلال على المجتمع ككل، وحالة التجزئة التي تعيشها الطبقات الاجتماعية على المستويات الجغرافية والأيديولوجية (الفكرية-الثقافية) والقطاعية والسياسية، وتداعيات هذه التنظيمية والفكرية والثقافية. وقد برز بعض مظاهر التجزئة للطبقات الاجتماعية (بما فيها الطبقة الوسطى) بعد اتفاق أوسلو، وبعضها الآخر ورثه المجتمع من فترات خلت، وبعضها عاد بعد أن كان قد تلاشى تقريباً.
لذا، تبنت الدراسة، بعد المدخل فيما يتعلق بإشكاليات البحث التسلسل التالي: أولاً (الفصل الثاني): مقدمة تناقش مفهوم الطبقة الوسطى في الأدبيات العالمية وعلاقتها بالحركات السياسية والديمقراطية. ثانياً (الفصل الثالث): يناقش محددات الطبقة الوسطى الفلسطينية، وآليات إنتاجها وتأثير قيام سلطة فلسطينية فيها. ثالثاً (الفصل الرابع): يناقش التعبيرات السياسية والفكرية للطبقة الوسطى الفلسطينية. رابعاً (الفصل الخامس): يرصد رؤية الطبقة الوسطى لنفسها وتأملها لدورها وكيف تقدم نفسها. خامساً (الفصل السادس): بعض التأملات الختامية. سادساً: ملاحق. سابعاً: المراجع.