للمذكرات الجوهرية قيمة خاصة ومميزة لأنها تكشف وتهزأ وتحتفل في الوقت نفسه بمجموعة من الممارسات الإجتماعية؛ منها ما هو عادي وروتيني، ومنها ما هو مستتر وغير مباح به.البوح إذاً هو السر في قيمة المذكرات، نرى المذكرات تركز على الجانب الخفي من الحياة الخاصة لوجهاء القدس...
للمذكرات الجوهرية قيمة خاصة ومميزة لأنها تكشف وتهزأ وتحتفل في الوقت نفسه بمجموعة من الممارسات الإجتماعية؛ منها ما هو عادي وروتيني، ومنها ما هو مستتر وغير مباح به. البوح إذاً هو السر في قيمة المذكرات، نرى المذكرات تركز على الجانب الخفي من الحياة الخاصة لوجهاء القدس وأعيانها، وعلى سلوكيات النخبتين العثمانية والبريطانية من عسكر وسياسيين، وعلى فضائح وبطولات الناس العاديين التي ولد وكبر واصف جوهرية في أحصانها، وهي تقلب العادي والروتيني إلى مشهد عجائبي، وتسمح لنا برؤيته بأعين جديدة.
برزت خلال الحرب العظمى أنماط وممارسات إجتماعية جديدة في الحياة المدينية، وتبلورت في فترة الإنتداب، في البداية، تضافرت المجاعة والأوبئة والنفي الجماعي على إحداث تغييرات جذرية في النسيج الإجتماعي لعدة مراكز حضرية.
في القدس تحديداً ظهرت فناءات جديدة خارج سور البلدة القديمة احتضنت هذه القيم الجديدة، وساهم قطاع الدولة في ظهور تجمعات جديدة من الموظفين، وفي إستثمارات القطاع العام، الأمر الذي أدى إلى تفعيل ونمو شرائج أخرى من الطبقة الوسطى في المناطق الساحلية أيضاً.
في القدس برزت في الأحياء المحيطة سمات الثقافة الجديدة: التعليم العلماني، والمقاهي، والنوادي الإجتماعية والأدبية، وأماكن الترفية التي عكست نمو الأذواق البورجوازية الجديدة، ونستطيع ان تستشف من الكتابات الخاصة في هذه الفترة.
من مذكرات ويوميات، ظهور أنماط من التعابير الفردية والإنعتاق من الروابط العائلية والمذهبية، وكان التخطيط المدني في الفترة الإنتدابية، على أيدي المهندسين المعمارين ماكلين وريتشموند وغيديز وأشبي، وعلى أيدي معمارين فلسطينيين من أمثال جورج الشبر، ساهم مساهمة أساسية في بلورة هذه التحولات في السيكولوجيا الحضرية.
نراه مثلاً تخطيط الجنائن المحيطة، الذي تبناه تشارلز بيرسي آشبي، في الحد الفاصل بين البلدة القديمة والأحياء الجديدة، ووجود "مسارات مميزة تهدف إلى إثارة العواطف وإيحاءات ذهنية متضاربة".
هذه الهندسية المشهدية خُططت عن قصد لتستحضر في أذهان الزائر "شعوراً دينياً وعاطفياً عن المدينة وأسوارها، مبنياً على تراكم قرون من التاريخ المشحون"، وكما هو الحال في تصميم الحدائق الإنكليزية، "ثم وضع المقاعد الخشبية في أماكن إستراتيجية لتعزيز هذا الشعور العاطفي وتقويته"، لكن إلى أي مدى نجح أشبي ورفاقه في الوصول إلى هذا الهدف بتطبيق تصاميمهم المعمارية.
وفي الجمع بين الإثارة العاطفية وإستحداث حيز من الخصوصية في التجربة الحياتية لأهل المدينة؟ من الصعب الإجابة عن هذا السؤال إلاّ أنه يمكن أن نرى أثره بطريقة غير مباشرة في الكتابة الذاتية لتلك الفترة.
"كتاب جميل شكلاً ومضموناً: ببنطه الفني، وصورة المختارة، وبتفصيلاته المذهلة ، وحتى لغته العذبة. وكل صفحة فيه تنبض حياةً وتمور حركة، وفيه من النسائم الرقراقة ما فيه، وجاء القرص المديح إضافة غنية نادرة إرثاً موسيقياً حتماً" - الأمير الحسن بن طلال.