في هذا الكتاب دراسة معمّقة في موضوعه، اتّسمت بالحيوية، وتكفّلت بتقوية الذات المؤمنة للارتقاء والتغيير المثمر في علاقتها مع الله عز وجل من خلال أدب الأداء لما أراده المولى تعالى بحيث يكون نابعًا من صميم الذات، وليس من الشعور بكونه مفروضًا عليها. ولتحرّك الكتاب بمنهج سليم متقن اتصف بوحدة موضوعية متجانسة استوعبت ما ورد عن أهل البيت (ع) في شهر رمضان المبارك من الاستهلال إلى التوديع وبجدارة عالية مكّنته من الغوص في أعمال هذا البحر الواسع، ليقدّم بعد ذلك للقارئ العزيز جواهره الثمينة التي اقتنصها بكفاءته ليقدّمه له بمشهدٍ جميلٍ فيه ما يكفيه من الأناقة والرشاقة. ومما زاد الكتاب حسنًا وجمالًا أنه لم يقف عند حدود التنظير لما في موضوعه من عبادات في أحاديث أهل البيت (ع)، وإنما نقل ذلك إلى واقعهم المحسوس من خلال تجسيدهم الحي لتلك العبادات عبر الممارسة العملية لها. ويستطيع القارئ أن يتلمّس الأهداف الكبرى لهذا الكتاب من خلال مطالعته، ومن جملتها أن الصيام كعبادة ومفهوم قرآني مقدّس لا ينحصر في ذاته فحسب، بل يتعدّى إلى نية الأداء، إذ ليس المطلوب في مدرسة أهل البيت (ع) تأدية الصيام كحكم شرعي واجب التنفيذ دون الشعور المزامن للأداء بالافتخار بتذلل الصائم وخضوعه وانقياده وشكره لله تعالى على التمكن من الأداء في إطار علاقة المخلوق بخالقه، وفي الصيام من الرياضة النفسية الكافية – لمن يدركها- لتجسيد تلك العلاقة من خلال أدائه على الوجه المطلوب لتحقيق الهدف المنشود. ومن محاسن الكتاب إدراكه التام للجانب الفقهي الذي نظّم تلك العبادة وقننها وبيّن معالمها وحدودها، وهكذا استوعب الكتاب موضوعه نظريًّا وتطبيقيًّا مع وعيه الكامل بفقه الحديث حتى زاحم بهذا الكتاب المصنّفة في بابه بل تخطاها بدقته واستيعابه وشموله. وإذ يعتز دار "الحضارة الإسلامية" بنشره وشكر مؤلفه يؤكّد لمن يقتنيه بأنه سوف لن يكتفي بقراءته مرة واحدة، لحاجته إليه في كل شهر رمضان كحاجته إلى (مفاتيح الجنان). الناشر