-
/ عربي / USD
عرض لي، في سياقٍ ما أن أتمثّل "فيصل درّاج" بما هو، في حياتنا الثقافيّة المعاصرة، حالةٌ فذّة، حالةٌ لا مثيل لها.
وليس ذلك لأنّه "الناقد" بـ "أل" التعريف الّتي تفيد الإِطلاق والفرادة والتميّز عن الأقران، وإنّما لأنّه يجسّد معنى قصدياً ذا وجوه تمتدّ في ما هو وجوديّ ووظيفيّ "يظهران" لخالص وعيي "هنا... الآن"، في المكان الشاهد والزمان المعطى.
يكشف الحضور "الظاهراتيّ" لفيصل درّاج في وعيي عن وجهٍ جوهريّ يشخص في بعض أبطال "تشيخوف":
"يستحيل الرضا بالأمر الواقع مثلما يستحيل عدم الرضا بهذا الواقع، لا مكان للحلّ الوسط، وليس على المرء بالتالي إِلّا أن يتمّرغ على أرضيّة بيته ويصرخ ويضربها برأسه"! هو على وجه الدقّة "الوضع الحدّيّ" الّذي يلهجِ به "كارل ياسبرز"، والذي يقابله فيصل بصبر وعناد وإرادة رواقيّة.
في هذه الحدود يرتدّ فيصل من "البرّانيّ" إلى "الجوّانيّ"، لا يُسلم نفسه إلى "الخارج" الّذي استبدّ به عقوداً وأجيالاً، وبات عنده منبع يأس وقنوط ورفض، ومبدأ لطلب العزلة والإنفصال وتقييد حدود التواصل والإحتماء بملكات الفعل الذاتيّ والخلق والإبداع، فكأنّ الوجود قد ارتدّ عنده إلى حدود "الوجود في النفس" بما هو ناقد أدبيّ يتعلق بالكشف الأفلاطونيّ الأعظم: الوجود الحقيقيّ ليس هو الوجود الشاهد، الوجود الهيرقليطيّ، وإنّما هو الوجود المفارق، الوجود البرمنيديّ، المعقول، الّذي ينشد التعالي والتأمّل والخلود.
فهمي جدعان
قيّم هذا الكتاب
هل استخدمت هذا المنتج من قبل؟
لا توجد أي مراجعات بعد