-
/ عربي / USD
وهنا تتبدى نتائج التفاوت في حجم وأهمية الأسواق المالية الوطنية، والذي يقابله بالضرورة تفاوت في مسؤوليتها عن تحقيق الاستقرار والنزاهة في النظام المالي الدولي، ويؤكد أهمية ومرجعية إجراءاتها السيادية. فإذا ما كانت السوق المالية كبيرة ومؤثرة بالنسبة للاقتصاد العالمي فإن قواعدها قد تصبح – ضمناً على الأقل- “Lex Financiaria”، أي القواعد المالية المعمول بها ليس بالضرورة كقواعد دولية وإنما على الأقل كقواعد تلتزمها مختلف المؤسسات المالية الناشطة عالمياً في تعاملاتها”، أو كما يعتبرها البعض “مصدراً أحادياً للقانون المالي الدولي”، أو قانون أميركا (Lex America).
مرد هذه التسمية الأخيرة هو أن هذه “الهيمنة المالية” (Financial Hegemony) كما يصفها المعلقون لم تتمتع بها إلا الولايات المتحدة الأميركية، بالرغم من تراجعها مع نشأة الاتحاد الأوروبي وتزايد الحضور المالي العالمي للصين وغيرها من دول “مجموعة البريكس” (BRICS)…. يبقى أن الأثر الأخطر لهذه الهيمنة يكمن في عدم إمكانية مساءلة الدولة المُهيمنة عن أي أذى قد تسببه إجراءاتها بالنسبة للاستقرار المالي الدولي، ومن خلاله للأنظمة المالية الأخرى، ومنحها بالتالي ما يُشبه “الحصانة المالية”، وأبرز دليل على ذلك هو الأزمة المالية العالمية الأخيرة. وفي المقابل تُكسِب الهيمنة هذه السوق – الدولة حق مساءلة الأنظمة المالية الأخرى، مباشرة أو من خلال الهيئات التعاونية المشتركة، عن استقرار النظام المالي الدولي ونزاهته مهما تواضع تأثيرها فيه. وهي في ذلك تستند الى حاجة هذه الأنظمة الى التعامل معها، إضافة الى محورية مؤسساتها في التعاملات المالية الدولية، وبالاستناد الى إجراءاتها التنظيمية في ما يشبه العلاقة التشغيلية لهذه الدول – الأسواق لمصلحتها. وبذلك يتبلور النظام القانوني المالي الدولي على أساس حماية مصالح الأسواق الكبرى وشرعنة جرائم الكبار في مقابل شيطنة الأسواق الصغرى وملاحقة جرائم الصغار.
قيّم هذا الكتاب
هل استخدمت هذا المنتج من قبل؟
لا توجد أي مراجعات بعد