-
/ عربي / USD
نهج البلاغة هي مجموعة ثمينة اختارها وانتقاها الشريف الرضي من كلام الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه. ولئن كان الرضي قد جمع هذه الدرر العلوية بعقلية الأديب وذهنيته، وفتش عما يوافق ذوقه، كشاعر من الرعيل الأول، بحثاً عن الفصاحة والبلاغة وما يحمله كلام الإمام من المجازات والكنايات والتمثيل والاستعارات وغيرها من أركان البلاغة وأسس الفصاحة، إلا أن دور الإمام عليّ هذه تجاوزت في غاياتها وحدودها ما كان ينشده الرضي ويتقصد خلال جمعه لهذه المجموعة الثمينة، حيث تنكشف للقارئ أبواب من العلم ومساحات واسعة من البيان، منفتحة على حقول عقيدية معرفية وفلسفية وتربوية وأدبية كثيرة نبين بعضاً منها. فقد احتوى نهج البلاغة على علم التوحيد الإلهي، وهذا أشرف العلوم وأجلها، فقد فتق عليّ رضي الله عنه عذرية هذا العلم، وخاض عبابه، فاتحاً العقول على معاني لم يألفوها أو يعتادوها ولم يفكروا فيها أو يطرقوها.
كما احتوى نهج البلاغة على عهود كثيرة ووصايا متعددة إلى عمّاله وولاة الأقاليم، وقد جاء هذا العهد وثيقة عالية المضمون، انحسرت دونها عقول المفكرين ووقف بكل إجلال وإكبار أمام تشريعها وسمو مقاصدها أرباب الحكم والسلطة. وإلى جانب ذلك فإن نهج البلاغة يعدّ مَعْلماً كبيراً من معالم الأخلاق والآداب، بثّ الإمام فيه خلاصة الأخلاقيات الإسلامية، وجاءت كلماته وتوصياته كلها مشتقة من نبعة واحدة ألا وهو القرآن الكريم. ويكفي لمن نظر في وصيته إلى ولده الإمام الحسن أن يقف على سموّ الأخلاق وعلوها، حيث رسم لهذا الإنسان أصول التعامل ومبادئ الآداب. كما ويحتوي نهج البلاغة على وصف الدنيا وبيان حقيقتها، وقد استطاع الإمام أن ينقلها كما هي في واقعها إلى قلوب الناس، ويجلّيها لعيونهم حتى يبصروها، ويقفوا على عمقها، ويعيشوها كما هي. ثم بيّن كيف ينبغي العيش فيها، وكيف يجب التعامل معها، وكيف يمكن أن تكون محبوبة مرغوبة، أو مكروهة مبغوضة، وذلك في عملية جمع رائعة نفذ الإمام من خلالها إلى ما يريده الله تعالى منا خلال وجودنا فيها والحركة في ميادينها. كما أن الإمام وعظ بالموت، وبين أنه عملية انتقال وجسر عبور ومحطة ينفذ من خلالها الإنسان لتصفية حساباته وما عمله في دار الدنيا، حيث يلقى جزاءه، وهو بنفسه الذي يقرر هذا المصير ويختار موقعه من الجنة أو النار.
وأيضاً وأيضاً، إن في نهج البلاغة دراسة واضحة لمجتمع الصدر الأول، حيث المهاجرون والأنصار، وكيف تمّ انتقال الخلافة عنه إلى من تقدمه من الخلفاء، كما خصّ عهد الخليفة عثمان رضي الله عنه بأوسع ما يكون مبيناً الفتنة وما وقع من أحداث شابتها أخطاء. وهكذا فإن نهج البلاغة هو مائدة غنية بألوان الفنون والعلوم يشبع كل ناظر فيه، ولمزيد من مساعدة القارئ على قراءة معانيه والتمعن فيها بيسر وسهولة يأتي هذا الكتاب الذي يشرح ما يمكن أن يغلق على القارئ من عبارات، ويوضح له ما غمض في النهج من كلمات، ويوسع أفقه بما ورد فيها من معاني.
قيّم هذا الكتاب
هل استخدمت هذا المنتج من قبل؟
لا توجد أي مراجعات بعد