الأمير شارل موريس دي تاليران شخصية غير عادية عبرت إلى عالم السياسة الدولية في أوروبا، تناول سيرته وحياته وسلوكياته باحثون ودارسون معاصرون، أجمعوا على تفوقه المذهل في أعماله الخارقة على معاصريه، من رجال الدولة الفرنسية، منذ القرن التاسع عشر حتى يومنا هذا.تمثل دهاء هذا...
الأمير شارل موريس دي تاليران شخصية غير عادية عبرت إلى عالم السياسة الدولية في أوروبا، تناول سيرته وحياته وسلوكياته باحثون ودارسون معاصرون، أجمعوا على تفوقه المذهل في أعماله الخارقة على معاصريه، من رجال الدولة الفرنسية، منذ القرن التاسع عشر حتى يومنا هذا. تمثل دهاء هذا الرجل ومقدرته في أعماله وسياسته، فشق طريقاً محفوفة بالأخطار والأهوال، من أجل ذاتية مضخمة بالأنا والتعقيد، فكان يعتبر أن ما يكسبه من مال ونفوذ وسلطة، هو حق مشروع له يستحق ما يتقاضاه، لقاء خدماته التي يقدمها للسلطة التي يرى نفسه المدافع الوحيد عنها والمحارب من أجل مصالحها، بخاصة أن فرنسا في ذلك الوقت، كانت رمزاً للحضارة الأوروبية في العصر الحديث. في هذا الكتاب، يطالعنا ما كتب حول هذه الشخصية الفذة، بأنها لا تمتلك أي فكر أو مهارة في فن التفاوض، إلا ما له علاقة بمصالحها الذاتية. فقالت عنه مدام دي ستايل “إنه حالة شاذة في الطبيعة البشرية، عصية على الفهم والإدراك؛ وكان موضوعاً قابلاً للنقاش ورجلاً مثيراً للجدل”. ووصفه فيكتور هوغو “بالدبلوماسي الذي يخون كل الناس إلا مشاعره”. وكان تاليران صامتاً لا يرد على الشتائم المقذعة والنعوت السيئة، والصور الساخرة التي تناولته… عودة إلى حياة الرجل الداهية، لنرى أنه كان يتيماً مع وجود أبوين أحياء، فهو لم يعرف في حياته طعم السعادة ولا الراحة النفسية في عائلته، مع أنه كان في أسرة أرستوقراطية تمتلك الثروات الطائلة في فرنسا. أما عقيدته الدينية فلم تكن ذات أهمية، لانه كان يصبُّ جلَّ إهتمامه بمصالحه الدنيوية، معتقداً في ذاته بأنه كان ضحية إهمال أهله، كما يقول في مذكراته”. حيث وقع في طفولته عن السرير، فكُسِرت رجله وتشوَّهت قدمه، وهذا ما جعله يعيش في حالة نفسية صعبة. تجدر الإشارة إلى أن تاليران كان شخصية استثنائية في التاريخ الفرنسي، إستطاع أن يحقق لفرنسا إنجازات مهمة على صعيد حقوق الإنسان، وإقرار الدستور الجمهوري، والفصل بين السلطات، ما جعله من الرجال القلائل الذين ساهموا في صنع تاريخ بلادهم، وتركوا بصمات مضيئة في أحداث التاريخ الفرنسي الحديث. وفي كتاب تاليران ، يرسم خضر خضر صورة واضحة عن سيرة رجل لعب دوراً مهماً، في حقبة مفعمة بالأحداث والمآسي، في رحاب وطنه، كما في منفاه، وفي إبان حكومة المديرين وصولاً إلى عهد القنصلية، حتى نهاية الرحلة مع ذلك الرجل الذي أعاد إلى فرنسا التوازن بين الكنيسة والسلطة المدنية؛ وكان تاليران مثالاً للوفاء لأصدقائه والمقرَّبين منه، مع أنه كان ماكراً وليس خبيثاً. فهو كالفيلسوف الذي يحتقر الدنيا، ويُحب بإخلاص ووفاء، ولو كان عدد الذين أحبهم قليلاً في حياته. وما يهمنا في هذا السياق، ما تركه تاليران من حِكم وأقوال خالدة، في الثورة والدين والحكم والكتاب، والحب والأخلاق، والمرأة، والسياسة…