لم يتحرر المؤرخون الذين عاشوا في مصر وبلاد الشام، في عصر المماليك في كتاباتهم من تقاليد المدرسة التأريخية العربية الإسلامية، سواء من حيث المنهج أم من حيث الأهداف، ذلك أن هؤلاء المؤرخين يعنون في كتاباتهم بأخبار السلاطين والملوك والأمراء، والأعيان، وسجلوا كل ما يتعلق بهذه...
لم يتحرر المؤرخون الذين عاشوا في مصر وبلاد الشام، في عصر المماليك في كتاباتهم من تقاليد المدرسة التأريخية العربية الإسلامية، سواء من حيث المنهج أم من حيث الأهداف، ذلك أن هؤلاء المؤرخين يعنون في كتاباتهم بأخبار السلاطين والملوك والأمراء، والأعيان، وسجلوا كل ما يتعلق بهذه القوى المسيطرة على شؤون المجتمع والمتحكمة في مقدرات البلاد، في حين أغفلوا كل ما يتعلق بحياة الطبقات الأخرى وشؤونها. من هنا، يجب إعطاء الدراسات الإجتماعية والفكرية الماضية أهمية خاصة، لإعادة تركيب الماضي بكل أبعاده، بما في ذلك التداخل بين السياسة والإجتماع والإقتصاد، لان الزمان يكتسب فعاليته ويمر بتحولات طويلة أو متقطعة، أو يستمر تراتيباً، ومن خلال الفعاليات البشرية، ومما يعانيه الإنسان في مجتمعه وبيئته. ولا بد في دراسة التاريخ الإجتماعي من تحديد الفئات الإجتماعية من حيث مستوياتها وتحديد الظواهر الإجتماعية التي تخضع لها، ولا بد من إلقاء نظرة على بنية العلاقة بين الحكام وفئات الشعب لما لذلك من أثر مهم في الدينامية الإجتماعية. وعلى هذا قسّم المقريزي المجتمع المملوكي، بوجه عام، إلى سبع فئات: "أرباب الدولة"، "مياسير الناس من التجار والفقهاء والمحدثين"، "متوسطو الحال من التجار والباعة وأصحاب المعاش والسوقة"، "الفلاحون من أهل الزراعة"، "سكان الأرياف والقرى"، "أرباب الصناعات والحرف البسيطة"، "المعدمون". وفي هذا الكتاب الذي بين يدينا سنتناول دراسة مظهر من مظاهر الحياة الإجتماعية التي تميزت بها دولة المماليك عن غيرها من الدول التي شهدها العصر الإسلامي ألا وهو الأعياد الإحتفالات والمناسبات في مصر والشام.