الصين ظاهرة محورية من ظواهر النظام العالمي الجديد، بوصفه نظاماً إنتقالياً بين ثنائية الحرب الباردة الأميركية السوفياتية إلى ما بعد عولمة الليبرالية والهيمنة الأحادية الأميركية، لتنطلق الصين كثاني إقتصاد في العالم نحو التقدّم.والسؤال هنا: كيف لنظام سياسي أو تنظيم ما يمكن...
الصين ظاهرة محورية من ظواهر النظام العالمي الجديد، بوصفه نظاماً إنتقالياً بين ثنائية الحرب الباردة الأميركية السوفياتية إلى ما بعد عولمة الليبرالية والهيمنة الأحادية الأميركية، لتنطلق الصين كثاني إقتصاد في العالم نحو التقدّم. والسؤال هنا: كيف لنظام سياسي أو تنظيم ما يمكن أن يقود ويدير وطناً يضم (25%) من سكان الأرض البالغ مليار وثلاثمائة مليون نسمة؟ ولأنَّ المعضلة الكبرى أن يجد هذا الكم البشري المأكل والملبس والسكن والصحة والتعليم، فكانت زيادة السكان مع زيادة الموارد هي بحدِّ ذاتها معجزة إقتصادية، قلبت كل التنظير الإقتصادي السابق الذي يؤكّد على أنَّ زيادة السكان سيؤدّي إلى إنخفاض في الموارد (الدخل) ويؤثر على مستوى المعيشة (تلك المعجزة) خلَّفها أناس يقودون بلدهم بحبٍ كبير وتضحيةٍ عظيمة وصفاتٍ اتَّصف بها الشعب الصيني أكثر من باقي شعوب الأرض، وهي الطاعة التامة، وكثيروا الأدب والتهذيب، والترتيب والإنضباط، والمسالمة، مؤمنين بفلسفة التسامح والسعي إلى التقاسم والإنسجام بين أشياء مختلفة وفق الإستيعاب والإنصهار، والتعايش السلمي، والتنمية المشتركة، وتطوير الذات، والمساواة مع بناء الثقة، والمنفعة المتبادلة، والتعاون والتواصل والإستفادة من الآخر، فضلاً عن العمل الدؤوب المستمر بكل مجال، كل ذلك من أجل الصين. إذاً سر الصين ليس بحجم السكان كما يشاع، كون ذلك يشكل قوة عاملة رخيصة؛ بل بنوعية السكان، فنجد العامل الصيني لا يقارن مع أي عامل بالعالم، فهو يعمل بكل دقيقة من ساعات العمل، وبجدس وتفانٍ من دون هدر للموارد ولا للوقت، سريع التعلّم ومطيع. من هنا، جاءت فكرة هذا الكتاب للإجابة على التساؤل التالي: كيف استطاعت الصين الإنتقال من بلد حطّمته جحافل الإحتلال وحروب الأفيون ونهبت خيراته، إلى بلدٍ مستقل متطوّر غني ينعم شعبه بالمأكل والملبس والصحة والتعليم، ويكون ثاني إقتصاد في العالم؟ بالطبع تطوّر الصين إقتصادياً عبر مراحل زمنية معيَّنة، وقد تناولت المؤلفة هذه المراحل من خلال أربعة فصول، قسَّمت زمنياً ليسهّل عملية تتبّع إنتقال الصين من بلدٍ زراعي إلى بلدٍ صناعي متطوّر وغني؛ فكان الفصل الأول يتحدث عن التطوّرات الإقتصادية قبل الثورة، ثم انطلق الفصل الثاني لشرح التطوّرات الإقتصادية بعد الثورة، بينما كان الفصل الثالث يمثّل مرحلة إنطلاق الصين نحو التقدّم، فيما ذهب الفصل الرابع لشرح وضع الإقتصاد الصيني قبل الأزمة وبعدها، وكيف واجه الازمة وسعيه لإستمرارية الإرتقاء الإقتصادي بمواجهة التحدّيات.