إن قصيدة الرثاء، من الفنون الأدبية المهمة داخل التراث الشعري العربي والعالمي، لما فيها من صدق عاطفة ورؤيا صافية، مصحوبة بإحساس داخلي عام، يتخذر في عمق المصير الإنساني الذي لا بد أن يؤول إليه كل إنسان، وهي من الوثائق الفنية التي تكتشف من خلالها بعضاً من صور الحياة الإنسانية...
إن قصيدة الرثاء، من الفنون الأدبية المهمة داخل التراث الشعري العربي والعالمي، لما فيها من صدق عاطفة ورؤيا صافية، مصحوبة بإحساس داخلي عام، يتخذر في عمق المصير الإنساني الذي لا بد أن يؤول إليه كل إنسان، وهي من الوثائق الفنية التي تكتشف من خلالها بعضاً من صور الحياة الإنسانية في التاريخ العربي القديم، لأنها موضوع جديد ينسحب على واقع إنساني جديد، وواقع عربي جديد، بألوانه وخصائصه. فالعربي بما يعيشه من مآسٍ يدرك أبعاد قصيدة الرثاء، على مستوى الفجيعة والعزاء، ويحسّ بكل حرف وبكل نبرة فيها، على مستوى التعبير والجمال الفني، فالألم والأسى اللذان يسكنان جوّانبه المرثية، يحوّلانها إلى قطعة فنية صادقة تنمّ عن موقف عام يمليه عليه الإنتماء الوجداني. وبذلك تتجاوز المرثية حدود التأبين الضيق، لتهيم في رحاب الشعور الإنساني، إلى آفاق فنية موحية، وأما المرثاء عند ابن الرومي، فهو من أعظم الفنون التي تغطي مساحة واسعة في شعره، لأنه يرتبط بحياته إرتباطاً مباشراً، ودراسته تلقي ضوءاً ساطعاً على نفسيته السوداوية، وطبيعته الحزينة، وهذا الفن لم يتناوله قلم باحث حديث أو معاصر. من هنا، اندفع الباحث لتحقيق هذه الدراسة ماضياً وبعمق في قصائد الرثاء ابن الرومي، ليتذوق الحسّ الوجداني والجمالي فيها، متتبعاً في دراسته هذه المنهج التكاملي الذي فرضته صيرورة البحث وطبيعته الموضوعية والفنية. وفي محور هذا المنهج تدور مناهج عدة: المنهج الوصفي الذي يقوم على عرض آراء الباحثين بطريقتي الإستقراء والإستنتاج، والمنهج التاريخي، الذي يضع النص في إطاره التاريخي، والمنهج التحليلي الذي يستند إلى شرح العناصر الفنية الجمالية للنص الشعري، وتبيان العلاقة بينهما، وبين المعاني الرثائية، وهذه المناهج جميعها تستند إلى العقل والمنطق، وصولاً إلى النتائج المتوخاة من هذه الدراسة التي جاءت ضمن تسعة فصول متلاحقة مترابطة في وحدة رثائية متكاملة الألوان والفروع. ففي الفصل الأول، وضح الباحث طبيعة الرثاء من اللغة والآداب العالمية، ثم أنواعه وإتجاهاته الموضوعية والشكلية من العصر الجاهلي حتى العصر العباسي حيث عاش ابن الروحي، راسماً في الفصل الثاني صورة الشاعر وروح العصر في إطار المؤثرات الخارجية وإنعكاساتها على الحالة السياسية والإجتماعية والإقتصادية والثقافية والدينية في القرن الثالث الهجري، ليتناول من ثم وفي الفصل الثالث موضوع مؤثرات النشأة والحياة والمؤثرات البيئية والوراثية التي ساهمت في صياغة وتكوين ملامح شخصية ابن الرومي، مفرداً الفصل الرابع لدراسة الإتجاهات الموضوعية في قصيدة الرثاء عند هذا الشاعر ومخصصاً الفصل الخامس للحديث عن مراثيه في أحبائه وأصدقائه الرسميين ومبرزاً في الفصل الخامس، مراثي ابن الرومي الدينية والسياسية وأهميتها في بلورة عقيديته ومذهبه السياسي وإنحيازه إلى التشيع. أما الفصل السابع فقد تضمن تحليلاً للقصائد التي واجه بها ابن الرومي نفسه وذاته في تنازع مبدأ الزوال ودبيب الغناء بين الشباب والشيخوخة، وأما الفصل الثامن فقد تضمن دراسة تحليلية للخصائص الفنية والشكلية في إطار الصورة الشعرية، وأنواعها ودلالتها في سياق التعبير الشعري، مختتماً دراسته هذه في الفصل التاسع بتحليل الصورة الإيقاعية للقصيدة الرثائية وموسيقاها الشعرية وتآلفها مع الأوزان والقوافي، وأثرها في تجديد النغم الشعري.